تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف نعمل وكيف يفكرون؟

إضــــــــــــــــاءات
الاثنين 2-5-2011م
خلف علي المفتاح

لا تبدو المشكلة بيننا وبين الغرب في الفارق الحضاري فقط ولكن في آليات التفكير سواء على الصعيد الفردي أم المؤسسي، وعندما ننظر إلى ما يجري في عالمنا العربي من أحداث علينا أن نتذكر أننا جزء من منظومة عالمية

أو لنقل مقطع من مشهد دولي لم تعد أي قوة محلية مهما امتلكت من إمكانيات أو قدرات أن تتحكم بشكل نهائي في دينامياته وضبط إيقاعه الكلي لسبب بسيط يمكن حصره في أننا في عصر عولمة لا يستطيع أحد الفكاك من سياقاتها المختلفة إلا في حدود حضوره في أنساقها المشكلة لها، ولا سيما بعديها التقاني والاقتصادي القابضين على اتجاه بوصلتها.‏

إن العمل أو التفكير في آليات السير الكلاسيكي لحركة التاريخ أصبح غير ذي جدوى، فثمة قوى ناهضة تقانية وتواصلية هي الآن الفاعل الأساسي في كل ما يجري ولكن السؤال المهم هو: هل هذه القوى حيادية في توجهاتها أم أنها تخضع لأيديولوجيا تحركها وترسم لها خط سيرها الاستراتيجي؟ إن نظرة لما تسير وفقه الأحداث تدل دلالة قاطعة على أن ايديولوجيا محددة وواضحة المعالم هي النواة الصلبة والحامل الحقيقي لذلك وهنا يبدو الفرق بين ما نعمل وما يخططون وهي تطرح إشكالية مهمة حول العلاقة بين الثقافي والسياسي، هل هي تكاملية تفاعلية أم إنها حدية تناقضية تأخذ طابع العراك الثقافي والسياسي؟ الخاسر الأساسي فيها المجتمع إن لم نقل الأوطان.‏

إن استعراضنا لقرن مضى في علاقاتنا الملتبسة مع الغرب يشير الى أننا أمام غرب يتعاطى معنا استراتيجياً مرتكزاً إلى دراسات وأفكار وتحليلات يقدمها باحثون ومفكرون وأكاديميون ومستشرقون يدرسون ويحللون تاريخنا وأفكارنا ونقاط قوتنا وضعفنا مقارنة مع إمكاناتهم ومستقبلهم وقدراتهم وعلى ضوئها يصوغون استراتيجيات وخططاً وبرامج يقدمونها لمراكز القرار في بلدانهم لاعتمادها سياسات حقيقية في مواجهتهم التاريخية مع أمتنا العربية والإسلامية، إن كل ما جرى في منطقتنا العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن لا يخرج عن هذا السياق إلا في حدود ما استطعنا تجاوزه إما بجهد جماعي عربي أم بسياسات وطنية مستقلة ومتحررة من سطوة الأجنبي ومصالحه.‏

إن المنطقة المسماة (الشرق الأوسط) تعيش منذ بداية القرن الحالي مرحلة ثانية في خرائطها المشكلة لها، فسايكس بيكو لم يعد يستجيب لمصالح الغرب و«إسرائيل» لسبب بسيط هو أننا في عصر العولمة أمام عالم جديد تحكمه وتتحكم فيه شركات وبنوك ورجال أعمال وقادة فكر عابرون للحدود هم إباطرة حقيقيون يتحكمون بساسة وسياسيي العالم الجديد على طريقة الروموت كونترول بدؤوا يرون في منطقتنا الغنية بثرواتها والتي تريد أن تنبعث من جديد خطراً حقيقياً يهدد مصالحهم وهيمنتهم على العالم فلابد والحال هذه من ضربة استباقية تفقد المنطقة إمكانية النهوض وتدخل أبناءها ودولها في دوامات العنف والاحتراب والاقتتال والفتن ما ظهر منها وما بطن لتتشظى إلى كيانات صغيرة هزيلة بائسة تبحث عن أي شكل من أشكال الحماية لتحافظ على البقاء دون معنى ولعل هذا هو جوهر الفوضى البناءة التي تبناها المحافظون الجدد وهي التي تحولت إلى استراتيجية أو لنقل عقيدة سياسية للغرب عموماً بشطريه على ضفتي الاطلسي.‏

إن عقدة التفوق الغربي ونظرية الأطراف والمركز ورسالة الرجل الأبيض لم ولن تغادر بعد الفكر الاستراتيجي الغربي في نظرته للشرق، فها هو نعوم تشومسكي الذي تحول من فقه اللغة إلى الدراسات الحضارية لا يمل من الحفر في تاريخ الثقافتين الغربية والعربية ليصل إلى حقيقة أن ما يجري في عالم اليوم لا يختلف كثيراًِ عن الأمس وإن (الخمر العتيقة تصب في الجرار الجديدة) وهذا ما يؤكده المؤرخ كافين رايلي في كتاب له بعنوان -الغرب والعالم- حيث يقول: ما من مجتمع آخر أنتج مجموعة من الشعراء والفلاسفة والدبلوماسيين المؤمنين بالعنصرية كتلك التي أنتجتها الطبقة الحاكمة الأوروبية الأميركية وهي لم تكتف بتسميم الثقافة الأوروبية بل نشرت الميكروب في جميع أنحاء العالم.‏

إننا ونحن نسوق الأمثلة لا ننطلق من نظرة عنصرية أو دعوة لصراعات ثقافية ولكن لنذكر من لازال يعيش أحلامه وسورياليته أن ما يجري في منطقتنا ما هو في جانب من جوانبه إلا تجسيد لما دعا إليه الزعيم الروحي والايديولوجي للمحافظين الجدد برنارد لويس الذي وصف العرب والمسلمين بأنهم قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم، وإنهم إذا ما تركوا فإنهم سيدمرون الحضارة الغربية بموجات بشرية إرهابية فلابد من إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية وهذا لا يتم إلا من خلال احتلالهم وإعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم بل يجب تضييق الخناق عليهم ومحاصرتهم واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية المتشكلة في بنيتهم لينتهوا في محرقتهم الذاتية.‏

إن نظرة فاحصة لما يجري تسعيره والنفخ في محرقته في بلداننا العربية والإسلامية يدل دلالة قاطعة على أن برنارد لويس يطل علينا متشحاً إزار راهب وعمامة شيخ يعيد إلى ذاكرتنا صورة نابليون بونابرت وهو يدنس أرض مصر مدعياً حمل رسالة الحرية والإنسانية.‏

khalaf.almuftah@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية