تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التراتبية المعتمدة في فضائيات الفتنة

المصدر:
شؤون سياسية
الأثنين 9-5-2011م
بقلم: عبد الرحمن غنيم

لعل كل مواطن عربي اعتاد على مشاهدة قناة الجزيرة انتبه إلى الأسلوب الذي اعتمدته هذه القناة بشكل دائم في تغطية أخبار فلسطين المحتلة. فهي تبدأ عادة بتقديم تقرير عن الحدث يقدمه أحد مراسليها يعقبه لقاء مع مصدر فلسطيني من رام الله أو غزة أو الجزء المحتل من فلسطين منذ عام 1948 حسب طبيعة الخبر.

ولكنها تحرص غالباً على بث تعقيب لناطق إسرائيلي، قد يكون ممثلاً لرئاسة الحكومة الصهيونية أو لوزارة الخارجية أو للجيش الصهيوني، أو أحياناً تقدم آخرين من مؤسسات أخرى وكان السؤال المطروح دائماً: لماذا هذا الحرص على نقل وجهة النظر الإسرائيلية؟‏

الواقع أن هذا السؤال قد تطور الآن ليتناول التراتبية التي تعتمدها قناة الجزيرة ومدلولها العملي، وهل يعني ذلك انحيازاً لمنطق عرض الرأي والرأي الآخر، وحتى إن كان رأي العدو الصهيوني أم أن للمشكلة دلالة أبعد من ذلك بكثير؟‏

الآن باتت صورة هذه التراتبية في معالجة الأخبار أكثر وضوحاً. وباتت دلالتها أكثر من مؤكدة، فالمسألة لا تقف عند حدود الترويج للتطبيع مع العدو بجعله ظاهرة اعتيادية عبر ظهور الناطقين باسمه على شاشة الجزيرة ولكنه يذهب إلى مدى أبعد من ذلك وأشد خطورة في دلالته. ففي تغطية الجزيرة للأحداث العربية وجدنا أنها تتبع وبشكل مستمر تكتيكاً معيناً قائماً أيضا على التراتبية نفسها أي تقديم الخبر أو التقرير الإخباري المتعلق بالأحداث في الوطن العربي، وغالباً ما ينطوي على التزييف والتحوير، ثم تقديم ضيف يوصف غالباً أنه محلل سياسي يكون مدافعاً عن وجهة نظر القطر المعني، وكأن القناة بهذا الأسلوب تؤكد مهنيتها وإتاحتها الفرصة لعرض جميع وجهات النظر، مع أن ما يحدث عملياً أن التعامل معه يجيء في صياغات الأسئلة كما لو كان تعاملاً مع متهم مطلوب منه الدفاع عن النظام أو عن النفس أو مع شخص يجري التشكيك في كلامه، وذلك من خلال ملامح المذيع ونظرات عينيه وانفراجات فمه وأسلوبه في طرح الأسئلة أو التعقيب على الإجابات ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك دائماً زبون جاهز يجري تقديمه على أنه مدافع عن الحرية أو عن حقوق الإنسان، وحتى إن لم تكن له بهذه أو تلك صلة على الإطلاق، فما أسهل ما يخترعون هذه الصفة ويجعلون من زبونهم الحر صاحب حق في أن يمارس حريته في الكذب والتضليل والتزوير والتحريض، فيعطى هذا الشخص فرصة الرد على من سبقه وطرح افتراءات جديدة بل وتوجيه المستمعين بما يخدم منطق الفتنة.‏

إن رصد التكتيك المعتمد على هذا النحو وتكراره في كل نشرة إخبارية تقريباً نبهنا بشكل طبيعي إلى التكتيك الذي كان معتمداً طوال الوقت في التعامل مع الأخبار الفلسطينية. فإعطاء الناطق الإسرائيلي دور المتحدث الأخير بات يعني بوضوح ما بعده وضوح أن قنوات الفتنة التي تتعامل مع الناطقين الإسرائيليين لا تتوقف مشكلتها عند التطبيع مع العدو والتعامل معه في نطاق هذا التطبيع، ولكنها إنما تنطق باسم هذا العدو طالما أنها اعتادت على إعطائه الأفضلية الدائمة في أن يكون آخر من يعقب على الحدث، ومعروف أن هذا المنهج متبع في قناة العربية مثلما هو متبع في قناة الجزيرة. وكأن هناك مرجعية واحدة للقناتين.‏

ومن حقنا الآن أن نتساءل عن طبيعة العلاقة بين هاتين القناتين وبين العدو الصهيوني؟ وهل هي علاقة قائمة منذ أصل التأسيس أم علاقة طارئة؟‏

إن العودة إلى الوراء سنوات وسنوات وملاحظة الأفضلية المعطاة للناطقين الإسرائيليين في مواجهة المتحدثين الفلسطينيين تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى ارتباط قنوات الفتنة بالعدو الصهيوني ومخططاته. وعندئذ فإن هذا الاستنتاج يسهم في فهم الدور الذي تقوم به قنوات الفتن في إثارة الفتن ولمصلحة من تقوم بهذا الدور عملياً.‏

إن محاولة فضائيات الفتن، وهي كلها في خدمة المعسكر أو التحالف الامبريالي- الصهيوني- الرجعي لإعطاء الفتن صفة الثورات لا يمكن أن تخدع أحداً، فالثورات الحقيقية لا تأتي من أوكار معروفة بارتباطها بالإمبريالية والصهيونية وعملائهما.‏

لكن المشكلة تكمن في تعاملنا مع هذا الفضائيات الفتنوية. وهنا فإننا نجد أنفسنا مضطرين لطرح الأسئلة التالية:‏

1- هل من حق قنوات الفتن وهي التي تحرض على التخريب والقتل أن تحتفظ بمكاتب ومراسلين لها في بلادنا أم أن علينا أن نرفع في وجهها كلمة: ارحلي!!‏

2- هل يجوز لأي واحد منا إذا كان يعارض سياسة هذه الفضائيات وأساليبها، أن يتعامل معها بأي عذر كان طالما أنه سيعامل من قبلها كمتهم وسيتخذ من قبلها كدريئة مثلما سيؤخذ سلماً لإظهار شخص آخر همه تفنيد ما يقوله وخدمة منطق الفتنة؟ ألا يكون التعامل مع هذه القنوات عندئذ إسهاماً في تمكينها من تنفيذ مخططها الإجرامي؟‏

3- إلى متى يتوجب علينا أن نعامل هذه القنوات المتورطة في صنع الفتن على أنها عربية أو منابر إعلامية، بينما نحن على ثقة الآن من أنها لاتخدم العرب والعروبة بأي شكل من الأشكال ولا تلتزم بالسياسات الرسمية المعلنة للبلدان التي تتواجد فيها، مثلما نعلم أنها شريكة في المسؤولية عن الأرواح التي تزهق والدماء التي تهرق؟‏

4- إذا كانت وراء هذه القنوات حكومات تحميها، فمن حقنا أن نواجه تلك الحكومات بنفس المنطق الذي تتبعه تلك الفضائيات وأن نقوم بدورنا بحملات إعلامية مضادة، أما إذا كانت خارجة عن كل إطار للمسؤولية فلنتخذ عندها الإجراءات التي تتناسب مع فضائيات منفلتة هجينة لا يعرف لها أب ولا تعرف لها أم، مع يقيننا أن العدو الصهيوني هو أبوها وأن الولايات المتحدة هي أمها.‏

5-إذا كان بعض المحامين السوريين يبحثون في رفع دعاوى قضائية ضد فضائيات الفتن. فإننا ندعوهم إلى مطالبة هذه الفضائيات والدول التي تتحمل مسؤوليتها التعويض ليس فقط عن الخسائر المباشرة الناجمة عن الفتنة ولكن أيضاً عن الخسائر الاقتصادية سواء تمثلت في انخفاض سعر العملة أم في التباطؤ الاقتصادي وهذه حقوق للشعب السوري كله من حقه أن يطالب بها وأن يصر عليها، وإلا فإن على الفاتنين أن يتحملوا النتائج الأخرى التي يمكن أن تترتب على فعلتهم القذرة. ولا يجوز لأصحاب الفتن أن يعتقدوا للحظة واحدة أنهم بمنجاة من العقاب، فإن أبناء الشهداء وذويهم لن يغفروا لهم ما فعلوا إذا غفرت لهم الدولة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية