تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كي لا تختلط المصطلحات..أي حريّة نريد

شباب
9/5/2011
غانم محمد

تداخلت المصطلحات كثيراً في الآونة الأخيرة، وعاب بعض المتحدثين فيها

عدم فهم جوهر ما يطالبون به فنشروا الشعارات الكبيرة فوق تصرفات مرفوضة جملة‏‏

وتفصيلاً، ووجدوا في بعض الأدوات الإعلامية الرخيصة بوقاً ينفخون من خلاله‏‏

سمومهم ودخانهم لدرجةٍ اعتقد فيها البعض أننا نعيش في (معتقل كبير) وأنه لا مجال‏‏

للخروج منه إلا بالزجّ بكامل طيشنا وتهوّرنا وتخريبنا، فأسرجت الفتنة التي أُعدّت لهذا‏‏

البلد الآمن جناح القول المنمّق وسهولة وصول النباح عبر الفضائيات ورخص بعض‏‏

الذين يتاجرون بالكلمة، الأمر الذي فرض على كل مواطن واع في هذا البلد أن‏‏

يمحّص في الأشياء جيداً حتى لا يقع ضحية تغرير إعلامي مدروس..يتحدثون عن (‏‏

سلمية الاحتجاجات) وينسون أن الشهداء الذين سقطوا نتيجة إجرامهم هم منّا ومن‏‏

أعزّ الناس على قلوبنا، والأسوأ من هذا كلّه أنهم يحاولون إيهام الناس بأن الأمن هو‏‏

الذي قتلهم فيا لعار ما يصنعون...‏‏

ويتحدثون عن (الحرية) وعند هذه النقطة سنقف لنناقش هذا المصطلح كمفهوم عام‏‏

وقيمة إنسانية كبيرة، ونناقشه كشعار يختبئ خلفه المخرّبون مستعينين بما سمعناه ونسمعه‏‏

عبر الشاشات وعلى لسان أكثر من طرف، ومن خلال فهم شبابنا له دون أن يتحول‏‏

ذلك إلى (استطلاع رأي) ومن خلال دراسات محايدة ومن ثمّ إسقاط كل ما تقدّم على‏‏

ما يحدث في سورية من محاولات زعزعة لأمن الوطن والمواطن ومن محاولات سلب‏‏

الحرية الشخصية لأبناء هذا الوطن وتحت شعار الحرية أيضاً..‏‏

حريتهم وفق نظرتهم تسمح لهم بفعل أي شيء وبالتعبير عن أي شيء وبالطريقة التي‏‏

يريدونها، ومن حريتهم حرقهم للمنشآت العامة والاعتداء على مراكز الشرطة والأمن‏‏

وامتداد يدهم الآثمة إلى حماة الديار وشتيمة البلد ورموزه والخروج على القانون!‏‏

هذه الحرية التي يطالبون بها تسمح لهم بالتعدّي على حرية غيرهم!‏‏

حريتهم (منزلة) يتسابق للدفاع عنها من اسموا أنفسهم بالمدافعين عن حقوق الإنسان‏‏

السوري أو بالنشطاء السياسيين ولا يجوز لأحد المساس بهذه الحرية ولو من باب‏‏

السؤال أو الملاحظة!‏‏

يقتلون الأبرياء ويطالبوننا بمباركة أفعالهم، يرفضون حرية من يخالفهم الرأي وعلينا أن‏‏

نصفّق لمطالبهم وإن كانت تخريبية فهل هذا معقول وهل يرضى الإنسان السوري بهذا‏‏

الأمر؟‏‏

هذا الوطن وعبر رأس الهرم فيه السيد الرئيس بشار الأسد عبّر عن احترامه‏‏

للتظاهرات المطالبة بالحقوق والداعية إلى الإصلاح والتقينا جميعاً عند هذه القناعة‏‏

فكيف كان الرد؟ اعتبروا مسيرات التأييد المليونية للأمن والأمان ولسورية وقائدها‏‏

البشار مزيّفة وأنها خرجت بالقوة وأنها مسيرات للمنتفعين من الحكم...الخ.‏‏

إن كانت هذه الملايين مزيفة فما أحلى هذا الزيف، وإن كانت تلك الفئة المضللة‏‏

والمخربة هي حرية سورية فلا نريد هذه الحرية مع العودة إلى ضرورة التفريق بين‏‏

المطالبين بالحقوق وبالإصلاح وبين الذين يحاولون اغتيال هذه الإصلاحات وتخريب‏‏

البلد..‏‏

شاهد العيان أصبح من وجهة نظرهم أهم من أي مصدر حكومي رسمي في سورية!‏‏

أصبح الشاهد العيان هو مصدر كل المعلومات عن الأحداث في سورية، أما حديث‏‏

رئيس الدولة عن إصلاحات فهو موضع تشكيك من وجهة نظرهم فأعوذ بالله من شر‏‏

الشيطان الرجيم!‏‏

ما تقدّم ليس إلا دمجاً واختزالاً لآراء الكثيرين من شبابنا الذين التقيناهم أو سمعناهم‏‏

عبر المنابر الإعلامية حاولت من خلاله تشكيل المدخل المناسب لما علينا استيعابه جيداً‏‏

خاصة في هذه الظروف التي وتّرتنا بعض الشيء...‏‏

في عام 2004 نشرت سلسلة عالم المعرفة كتاباً طويلاً بعنوان (التنمية حرية) تأليف‏‏

أمارتيا صن وترجمة شوقي جلال وقال المؤلف في هذه الدراسة (إن علاقة الحرية‏‏

بالمسؤولية علاقة في الاتجاهين معاً، وغني عن البيان أن المرء من دون حرية موضوعية‏‏

ومن دون قدرة على عمل شيء لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن عمل أي شيء، ولكن‏‏

توافر الحرية والقدرة معاً لعمل شيء ما في الواقع العملي يعني أننا نفرض حتى على‏‏

الإنسان واجباً بأن يفكر فيما إذا كان ينجز هذا العمل أم لا وهذا يتضمن بطبيعة الحال‏‏

مسؤولية فردية، وهنا تكون الحرية ضرورية وكافية للمسؤولية).‏‏

وكما نقرأ في كلام أمارتيا صن فقد اقترنت الحرية بالمسؤولية وهذا ما غاب عن‏‏

الكثيرين ممن يختبئون خلف شعار الحرية فنسوا مسؤولياتهم تجاه بلدهم وتجاه مؤسسات‏‏

بلدهم بل على العكس فقد أمعنوا فيها عبثاً وفساداً وبالتالي تحوّلت الحرية التي يطالبون‏‏

بها إلى حجة عليهم، كما أن التغنّي بالحرية من قبل شريحة معينة لا يلغي حرية الآخر، إذ‏‏

تعيب هذه الفئة على أكثر من 90% من الشعب السوري ولاءهم للدولة وللسيد‏‏

الرئيس بشار الأسد فهل حريتهم ملكهم في الفوضى والعبث وحريتنا ملكهم أيضاً‏‏

يرسمونها على مزاجهم!‏‏

وكما أن المسؤولية هي لباس الحرية فإن الحرية تنتج المسؤولية وعلينا في هذه المواقف‏‏

الصعبة أن نتذكر مسؤولياتنا تجاه بلدنا وفي مقدمتها حماية هذا البلد والدفاع عن‏‏

إنجازات سنين طوال من الاستقلال وحتى الآن، والمطالبة بالحرية تدخل قاموس القداسة‏‏

عندنا شرط أن تقترن بالمسؤولية ولا تتجاوز حرية الآخرين...‏‏

شباب سورية يعون هذه الأمور جيداً، ولئن خرجت بعض التصرفات على النصّ فإننا‏‏

نستوعب الحالة الانفعالية للبعض وندعو كلّ من أخطأ التصرف إلى إعادة النظر بما فعل‏‏

فالوطن كالأم لا يقسو على أبنائه وأجمل لحظاته هي تلك التي يجد فيها جميع هؤلاء‏‏

الأبناء في حضنه وفي حقوله ومعامله وفي مطالع أغنياته...‏‏

لقد تعلّمنا وقرأنا في دفتر الوطن أن الوطنية تعني أن يلتقي الجميع عند حبّ الوطن‏‏

والدفاع عنه وإن اختلفت طرق التعبير عن هذا الحبّ أو تباينت وسائل الدفاع عنه،‏‏

أما اليد العابثة بأي لوحة جميلة في هذا البلد فمصيرها البتر إن لم ترتد إلى صراط الوطن‏‏

المستقيم...‏‏

أحد الشباب الذين التقيتهم قال لي بالحرف الواحد: كنتُ من أكثر الناس المحتجين على‏‏

الوضع في سورية وما فيه من فساد إداري وقلّة فرص عمل وضعف أجور وغير ذلك‏‏

لكن كلّ هذه المطالب تلاشت أمام نعمة كبيرة لم نكن نعرف قيمتها وهي الأمان، فهل‏‏

لكم أن تستعيدوا جميعاً ما كنّا فيه قبل 14 آذار وما يحاول البعض إلقاءنا إليه حتى‏‏

الآن؟‏‏

يثق شبابنا، ونثق بما يثقون به، بأن هذه الغيمة ستمرّ دون أي أثر كبير لكن الدرس كان‏‏

بليغاً كما أشار الكثيرون وخاصة في مجال إعادة النظر بالبطانة الداخلية للعديد من‏‏

الجهات العامة والتي وضعها الشباب في قفص الاتهام من خلال تهاونها – حسب رأيهم‏‏

– في عملية المحاسبة ومراقبة سلوك وعمل البعض فيها ما جعل الكثيرين يقعون في فخّ‏‏

الشعارات الكبيرة التي أطلقها المحتجون...‏‏

يصرّ الشباب الذين حاورناهم على أكثر من قضية يجب التعامل معها بحكمة في قادمات‏‏

الأيام خاصة مع بداية عمل الحكومة الجديدة وفي مقدمتها عملية الفرز النوعي للعاملين‏‏

في الدولة وألا تبقى الوظيفة مجرد تسجيل حضور وقبض رواتب بل أن تحضر مفردات‏‏

المراقبة الصارمة والمحاسبة الوطنية المسؤولة لعمل كلّ منا لأن ما يهدر من مال هو مالنا‏‏

وما يتعطل من عمل فهو لأجلنا ومن لا يريد العمل عليه أن يفسح المجال لمن يتقدّ حماسة‏‏

وغيرية على هذا البلد..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية