|
استراحة عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي، وقد مثل كونفوشيوس حالة فريدة في الصين وانتهج مذهبه كأسلوب أساسي في التعامل بين الأشخاص، ويأتي كونفوشيوس في المرتبة الأولى عند الصينيين كواحد من أكثر الشخصيات المؤثرة. وقد أثرت تعاليمه بشكل كبير في تفكير وسلوك الصينيين، وانتشرت بينهم بشدة لعدد من القرون، فألقت بتأثيرها على الحضارة الصينية، وبعض الدول الآسيوية المجاورة. ولد كونفوشيوس عام 551 قبل الميلاد بإحدى الولايات شمال شرقي الصين، لأسرة عريقة، ويعرف باسم كونغ فوتس وكلمة فوتس تعني الحكيم أو العظيم، ويعني الاسم كاملاً (الحكيم كونغ)، توفي والده وهو في الثالثة من عمره، فوقع على عاتق الأم مهمة الإنفاق على الأسرة، ترعرع في ظل مملكة «لو» والتي عرفت بتقدمها الثقافي، وتزوج مبكراً ولكنه هجر زوجته بعد ذلك، وقام بدراسة العلوم الفلسفية. فضل كونفوشيوس ترك العمل الحكومي، وتجول بين أرجاء الصين فتعلم الموسيقا، والشعائر وعمل على وضع منهج أخلاقي يعتمد على الموسيقا والمبادئ الأخلاقية المثلى، وانطلق يعظ الناس ويعلمهم، ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى إلى العمل الحكومي في الخمسين من عمره، ثم طرد منه بعد تدخل الحاقدين، وظل يتجول بين البلاد ينشر أفكاره، قبل أن يعود إلى بلدته مرة أخرى فمكث بها خمس سنوات وانكب على كتب الأقدمين يدرسها ويلخصها ويضيف إليها بعض أفكاره، ويقوم بتدريس تعاليمه لطلابه، وتوفى عام 479 ق.م. لم يكن مذهب كونفوشيوس دينياً، ولكنه كان يدعو إلى أسلوب حياة وسلوك اجتماعي وسياسي، فتهدف الكونفوشيوسية إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن آبائهم وأجدادهم، مضافاً إليها الكثير من الآداب والأخلاق في التعامل. وقد دعا إلى عدد من الفضائل مثل الحب وحسن معاملة الأشخاص بعضهم لبعض والأدب في الخطاب، واحترام الأكبر في السن وتقديس الأسرة، وأهمية الطاعة والاحترام للأكبر سناً والأكبر مقاماً، واحترام الحاكم، وكره الظلم والطغيان، كما أكد أهمية أن تعمل الحكومة من أجل خدمة الشعب وأن يتحلى الحاكم بقيم ومبادئ أخلاقية. كان ينظر دائماً إلى الماضي حيث يجد فيه الكثير من القيم الإنسانية، فكان يحن دائماً إليه ويدعو الناس للحياة فيه، وقد حدد مذهبه في إطار شيئين مهمين هما «جن» و«لي» وجن هي الحب والاهتمام الحميم بالبشر، أما «لي» فتصف مجموعة من الأخلاق والطقوس والتقاليد والإتيكيت واللياقة والحشمة. وقد توافقت تعاليم كونفوشيوس إلى حد كبير مع فكر الشعب الصيني، والذين شعروا أن تعاليمه وفلسفته متلائمة معهم نظراً لقربها مما كانوا يؤمنون به من المذاهب القديمة، ويعد ذلك سبباً رئيسياً في انتشارها الشديد وصمودها لأكثر من جيل. على الرغم من قرب كونفوشيوس من أباطرة وحكام الصين، إلا أن تعاليمه رفضت وحرمت تعاليمه في عهد الإمبراطور «تشي إن شهوانج»، وعلى الرغم من وفاته إلا أن الشعب الصيني ظل متمسكاً بتعاليمه والتي ما لبثت أن عادت مرة أخرى وربما أكثر قوة وانتشرت بين تلاميذه وكهنته، وظلت الفلسفة الكونفوشيوسية مسيطرة على الحياة الصينية قرابة العشرين قرناً من القرن الأول قبل الميلاد وحتى نهاية القرن التاسع عشر بعد الميلاد، ومازالت الروح الكونفوشيوسية تحيا في المجتمع الصيني بشكل أو بأخر إلى الآن. |
|