تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشاعرة وعد محمد الإبراهيم.. حبر الأنوثة على ورق الورد

رسم بالكلمات
الأثنين 16-5-2011م
(سيعتبُ حبري.. لو جئتَ بعد فوات القصيدة).

حظيت قصيدة النثر باحتفاء كبير لدى جيل الشاب بما تقدمه من مساحات متحررة من قيود العمود والتفعيلة،‏

وتقنيات قادرة على التجريب واستثمار الخيال الإبداعي. وكان من أهم عوامل تميز هذا النوع الجديد طريقة تناول المواضيع ومعالجتها في لغة تنزاح عن مألوف خطاب السرد العادي، فضلا عن الاعتماد على الموسيقا الداخلية للجملة.‏

(يا وطناً.. لا ينقصه إلا وطن.. أوقف ريحكَ التي تعربد في دمنا.. نحبك فينا.. نخافك فينا.. )‏

فقناديلنا الزرقاء تطفح بزيت التمني.. ولا وقت.. لتنهيدة حبر مقفلة على ضباب حرف لن يفيق). ص80.‏

وقد حاولت الشاعرة الشابة (وعد محمد الابراهيم) في ديوانها الجديد (ليتك تتقن أنوثة الورد) تقديم مجموعة من القصائد النثرية التي اعتمدت على البوح الوجداني للعوالم الداخلية لذات تنحاز إلى العفوية بكل ما فيها، أكثر من العمل على تأسيس لأفكار إنسانية تلوذ بطيف متسع لقضايا عامة. مع العلم أن التجربة الذاتية قد تتقاطع مع الحراك الاجتماعي في نهاية المطاف.‏

(ومن فرط الشوق أشهق.. وأراهن على شفتيكَ بزرقة حبري.. بعفاف الروح أراهن.. لكن تلك الفوضى في دمك.. تثمل أعصاب القصيدة). ص44.‏

نجد أن القصائد في معظمها تحتفي- بإفراط- بأنوثة طافحة تطغى على ما عداها، متجلية في أبهى صور الفطرة الأولى ككتلة من مشاعر وأحاسيس حميمة تلتف كالنار، وتنسكب كالماء، ملونة كل ما يعترض طريقها بلونها الخاص. وعلى الرغم من ذلك لا تنغلق على نفسها، بل تبحث عن الشريك الكائن في الطرف المقابل، وليس النقيض، فالذكورة هنا هي مرآة الأنوثة الناضجة التي تتيه بحسنها.‏

(أن أحبك .. يعني أن أجلس وحدي وأحل أزرار الليل.. وأقطف من وجنتيك أقماراً ونجوما). ص110.‏

لكن علاقة التواصل مع الحبيب لا تسير بحسب الحلم في طريق الوصال، كأنها تتحول من شغف الالتقاء مع الطرف الآخر ومشاركته, إلى إرادة في الانفراد والعزلة، كأن الحب المرجو في نهاية المطاف هو الرغبة الجارفة لبلوغ ذروة القصيدة مع الذات أكثر من كونه حباً حقيقياً يتجه إلى رجل بذاته، حتى صار الحبيب المنتظر لا يمثل غير أيقونة مثالية للعشق في الخيال فحسب، لهذا تنتكس الأنوثة في نرجسيتها، وتصبح القصائد بوحاً مفرطاً لدعوة المعشوق الذي لن يحضر. ورغم ذلك لا نجد سوداوية قاسية في القصائد، ولعل مرد ذلك يعود إلى التصعيد الموازي للانكسار. بل لعل الأنثوية هنا هي حالة ذاتية من الهيجان والخمود في حلم غير قابل للتحقيق إلا على مساحات الورق الأبيض، أي أن الأنوثة في دائرة هذه المجموعة محرض إبداعي، أما الرجل المفتقد فهو حاجة للخطاب لا غير.‏

( دعني أعطركَ شعراً.. كفاني أسكب من دلال الشعر.. في فناجين اغترابي). ص48.‏

تتشابه القصائد وتتفق في مستويات عدة، فعلى صعيد الشكل نجد أن المفردات منتقاة من القاموس الذي يحفظه عن ظهر قلب كل الناس، وتركيب الجمل لا يبتعد كثيراً عما هو متداول في الحياة اليومية، فقد نأت الشاعرة عن استخدامات الانزياح اللغوي القائم على الحفر في عمق اللغة للخروج بصيغ مبتكرة، وهذا ما تناسق مع الأسلوب الطيع ببساطة لا تكلّف فيها. كما تشكلت الصور الشعرية بصيغة مألوفة. فقد كانت عناية الشاعرة متجهة إلى الاشتغال على نسج قصيدة مثقلة بالمشاعر الجياشة والأحاسيس الرقيقة كي تعبر عن حالات نفسية خاصة. لهذا نستطيع القول إن مجموعة القصائد تلك كانت بحاجة إلى المزيد من الصور المبتكرة التي تدهش القارئ وتعلن عن بصمة ذاتية واضحة في حيز مستقل لا يشغله الآخرون. فلم تحفل الشاعرة كثيراً بالاشتغال على قصيدة نافرة عن مدونة القصيدة النثرية الشابة، دون أن يعني هذا خلو الديوان من بعض الصور الشعرية المبتكرة ضمن المجال الشعري الذي انحازت له، ولعل هذا مرجعه إلى أن الشاعرة- في مرحلتها الإبداعية الراهنة- تمتلك مشروعاً ذاتياً في كتابة الشعر، ولا تمتلك مشروعاً شعرياً للتعبير عن الذات.‏

(سأرقى لمستوى الجنون.. وأتصالح مع حبري.. فما زلتُ أسمع أنات قلم الرصاص.. بين أصابع الطفولة وأحلم..) ص73.‏

العنوان: ليتك تتقن أنوثة الورد‏

المؤلفة: وعد محمد الابراهيم‏

الناشر: دار الرواية 2011‏

   ‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية