تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية... الصراع المزدوج وضرورات الحوار

شؤون سياسية
الجمعة 20-5-2011
بقلم: محمد خير الجمالي

لا خلاف حول الإصلاح كمطلب عادل وضرورة وطنية يجمع الكل في سورية عليه لأهميته الاستراتيجية, ويرفضه فقط من يجد مصلحته في عدم تحقيقه وهم حصراً فئة الفاسدين والطفيليين الذين يعتاشون على الأوضاع الخاطئة ويجدون فيها المرتع الخصب لفسادهم ونمو مصالحهم الضيقة والأنانية على حساب مصالح الشرائح الواسعة من الشعب.

والحقيقة كذلك لأن الإصلاح يقطع الطريق على كل ما هو سلبي في حياة المجتمع وعلاقاته, ويعزز شعور الفرد بالكرامة ويضمن له حرية التعبير عن رأيه في حدود معيار الوطنية وبعيداً عن التجريح والفئوية البغضية والأنا المتضخمة, إضافة - وهذا هو الأهم - إلى أنه (أي الاصلاح ) في حال بلوغ أشكاله المثلى بالوفاق والتوافق بين سائر مكونات المجتمع, من شأنه تجاوز أخطاء الماضي وتحسين الأداء الحكومي بما يخدم المواطن ويعزز الثقة معه, ويدفع باتجاه مكافحة الفساد واستئصال ظاهرة الطفيلية, ويشيع أجواء الديمقراطية التي تقوم على تعددية حزبية وسياسية وتضمن حريات التعبير عن الرأي والإعلام واحترام الاخر, وتزيد من قوة الوطن ومنعته لأنها الوسيلة الوحيدة التي تكفل وحدتنا الوطنية المبنية على عيشنا المشترك وسلمنا الأهلي.‏

وإذا كنا لانختلف حول الإصلاح وشكله ومضمونه وأهميته وضرورته بالنسبة للمجتمع والوطن, فما يجب أن يكون موضع خلاف ويستدعي منا التوقف طويلاً عنده وتحديد موقف وطني منه هو مسألتان اثنتان: الأولى ترتبط بواقع استغلال الإصلاح الداخلي عبر التحريض والافتئات على الحقيقة ومطالبه وحركة التعبير السلمي عنه من قوى داخلية وخارجية لأهداف غاية في الخطورة على سورية وشعبها, والثانية تتعلق بالطريق الموصل إلى الإصلاح المنشود ووسائل تحقيقه.‏

في المسألة الاولى تجلى استغلال قضية الإصلاح بحالتين اثنتين: ظهور فريق في الداخل يحمل السلاح ويشهره لتهديد الأمن الوطني وممارسة الترويع للإساءة إلى الحركة المطالبة بالإصلاح - وهي حركة عفوية وطنية المقصد والهدف - في محاولة لخلط الأوراق وتأزيم الوضع وزرع بذور الشك بين الحركة الإصلاحية وبين الدولة.‏

فيما الحالة الثانية لهذا الاستغلال كانت فيما بتنا نشهده من تدخل خارجي يتخذ خطاً تصاعدياً ترتسم مواقفه وخطواته وفق منسوب تصاعد الأحداث ومدى ما يحققه التضليل عن حقائقها من تشتيت للوعي الجمعي والفردي معاً داخل سورية.‏

والهدف للحالتين معا هو إدخال سورية في صراع مزدوج تبعاً لدور كل منهما, شقه الأول مطلوب منه التموضع في اتجاه ضرب الوحدة الوطنية عبر تضخيم الأحداث والانتقال بها إلى مرحلة الأزمة الداخلية وتوظيفها في سياق الإيحاء أن سورية في ضوء هذه الأحداث ذاهبة إلى حرب أهلية تنسف عيشها المشترك وسلمها الأهلي اللذين شكلا تاريخياً شرط وحدتها الوطنية واستقرارها عليها وتحول هذه الوحدة بالتالي إلى مصدر قوة سورية وديمومتها كأنموذج فريد في العالم بتعدديته المنصهرة في بوتقة التلاحم الوطني الخلاق في ثقافته وإنتاجه الحضاري عبر التاريخ.‏

والشق الآخر هو الصراع مع الخارج من خلال استقدام الغرب للتدخل في شأن سوري داخلي صرف ولدى الغرب دوافعه التاريخية والاستراتيجية لهذا التدخل, بقدر ما لديه المبررات الكاذبة والتغطية المطلوبة عبر ذرائع العنف ضد المتظاهرين أو من خلال طلب فريق مغرض تابع له التدخل والدخول في صراع مع سورية لمحاولة وضعها بين فكي كماشة زعزعة الاستقرار الداخلي وضغوط الخارج, للوصول الى اقتلاع سورية من موقعها المحوري ودورها الوطني والقومي الذي يعيق مشاريع الغرب ويقلق إسرائيل ويدافع عن الوجود العربي.‏

إن لعبة الصراع مع سورية على هذا النحو المكشوف جداً هي أكبر من أن يكون في إمكان الغرب كسب الرهان عليها لاعتبارين اثنين: الأول هو قدرة سورية بوعي شعبها على إحباطها والثاني هو استشعار قوى قطبية عالمية مخاطرها الكبرى على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ورفضها الانخراط في اللعبة وتمريرها تحت أي مسمى.‏

وإذا كانت التطورات الإقليمية في العقد الماضي فقط تبرهن على الاعتبار الأول بسقوط سياسات تغيير سلوك سورية ومواقفها وعلاقاتها وسياستها الخارجية, فإن رفض كل من روسيا والصين علانية وبكل وضوح للتدخل الخارجي في الشأن السوري يبرهن على الاعتبار الثاني, وهو الرفض الذي تم التعبير عنه في التحذير من هذا التدخل بقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بكل الصراحة (( إن روسيا تقف إلى جانب سورية في المحافل الدولية.. ونستغرب نيات بعض المشاركين في الأحداث لاستدراج التدخل الخارجي وتكرار السيناريو الليبي)).‏

وفي المسألة الثانية المتعلقة بالطريق إلى الإصلاح وبرغم صلتها بالمسألة الأولى لجهة استغلالها في محاولة إضعاف سورية من الداخل والخارج, وكذلك لجهة التمييز بين الإصلاح كمطلب مشروع وبين ركوب موجته من قوى لاتريد الخير والإصلاح لسورية وشعبها, نقول إن الطريق الوحيد لكسب الصراع الدائر وبلوغ إصلاح حقيقي منتج وفاعل يكمن في مبدأ الحوار الوطني الشامل بين جميع فئات المجتمع وفي مقدمها قوى المعارضة الوطنية ونقصد بالوطنية هنا المعارضة التي ترفض التدخل الأجنبي وأياً من مظاهر امتداده الداخلي التي ظهرت على شكل خطاب فتنوي أو عصابات مسلحة أو شعارات استعداء على المقاومة وإيران الداعمة للحق العربي, وهي مظاهر تتقاطع بشكل أو بآخر مع أهداف إثارة الفتن الداخلية ووضع المقاومة وإيران كحليفين استراتيجيين للشعب السوري يقوى بهما ويقويان به على نقيض هذه الحقيقة التي لانملك في سورية إلا أن نعتز بها لأنها جنباً إلى جنب مع الوحدة الوطنية هي ما تعزز دور سورية وموقعها المحوري وتمكنها من ممارسة التأثير الفاعل في الصراع.‏

ومن أجل بدء الحوار والإقلاع به, لابد أولا من التوافق على أن تكون الوطنية بمعنى الغيرة على الوطن واستقراره ووحدته وعيشه المشترك ورفض كل ما يهدده ويؤذيه هي السقف الذي يجب أن يظلل الحوار, ولابد ثانياً من إعطاء فرصة للحوار بعودة الهدوء والاستقرار للشارع ووقف كل أشكال الفوضى, لأن الحوار هو تبادل للرأي والرؤى وتوافق على برامج وخطط لايتم في حالة صخب ولا في فوضى تزعزع الاستقرار أواستقطاب خارجي لايريد إنجاز الإصلاح لأنه يزيد من منعة سورية ومناعتها..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية