|
مجتــمـــــع الدفاع الشرعي حق طبيعي وغريزي، فقد كان يمحو الجريمة عند الرومان فلا يبقى لها أثر جزائي أو مدني وكان يعفي من العقوبة في أوروبا في القرون الوسطى. كما وقفت الشريعة الإسلامية الموقف نفسه، من خلال فتوى شرعية جاء فيها:(مبدأ الدفاع عن النفس مقرر في الشريعة الإسلامية، فمن شهر على رجل سلاحاً فقتله الرجل دفاعاً عنه فلا يجب بقتله شيء) ويدعى الدفاع الشرعي في الفقه الإسلامي«دفع الصائل» وفي صحيح مسلم ورد في الحديث الشريف في بيان إثم سنّ القتل قال رسول الله(ص): (لا تقتل نفس ظلماً، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سنّ القتل) والكفل بمعنى النصيب، وفي صحيح البخاري في السمع والطاعة للإمام لم تكن معصية، قال رسول الله(ص): السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)، والعرض كالنفس في الإسلام والدفاع عنهما واجب والمال محترم أيضاً والدفاع عنه حق، بل وواجب على رأي جمهور الفقهاء استناداً إلى قول الرسول(ص): (من مات دون ماله فهو شهيد). وعلى هذا الأساس نعرف الدفاع الشرعي بأنه: (الفعل الذي يلجأ إليه الإنسان لدفع اعتداء وشيك الوقوع على نفسه أو ماله، أو نفس الغير أو ماله). وقد نصت المادة/183/ من قانون العقوبات العام على الدفاع الشرعي: (يعد ممارسة للحق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار على النفس أو الملك أو عن نفس الغير أو ملكه). ثانياً: شروط الدفاع الشرعي: 1- أن يكون الاعتداء واقعاً على النفس أو الملك: ولا فرق بين نفس المدافع أو ملكه أو نفس شخص آخر أو ملكه، فالمرء يعتبر في حالة الدفاع الشرعي إذا اعتدى على حياته أو على ماله أحد، أو إذا تدخل هو من تلقاء نفسه لإنقاذ حياة شخص آخر أو ملكه. ولا يشترط في الاعتداء أن يكون على درجة معينة من الجسامة أو الخطورة، إذ يكفي وقوع الاعتداء على الجسم ولو كان تافهاً. فقد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أنه:( من غير اللازم قانوناً لتوافر شروط الدفاع الشرعي أن يأتي المجني عليه فعلاً مادياً، بل يكفي أن تكون الظروف والملابسات التي وجد فيها الجاني تبرر الفعل لأسباب معقولة). ويعتبر العرض جزءاً من النفس، لذلك كان الدفاع عنه مشروعاً، فالمرأة التي تدافع عن عرضها المهدد أو عرض غيرها، تكون في حالة الدفاع الشرعي، والرجل الذي يدافع عن عرض زوجته أو قريبته أو عن عرض غريب أو غريبة عنه أو عرض أولاده، يكون في حالة الدفاع الشرعي. وهذا ما قرره مؤتمر الحقوق الجزائية في فارسوفيا عام 1926 بالإجماع. وقد اعتبر المشرع السوري الحالتين التاليتين من قبيل الدفاع عن النفس وفقاً لما نصت عليه المادة/549/ من قانون العقوبات العام الفقرتان(آ) و(ب): آ- فعل من يدافع عن نفسه أو عن أمواله أو عن نفس الغير أو عن أمواله تجاه من يقدم باستعمال العنف على السرقة والنهب. ب- الفعل المقترف عند دفع شخص دخل أو حاول الدخول ليلاً إلى منزل آهل أو إلى ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات أو الجدران أو المداخل أو ثقبها أو كسرها أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة وإذا وقع الفعل نهاراً فلا يستفيد الفاعل إلا من العذر المخفف عملاً بالمادة /241/ من قانون العقوبات العام. 2- أن يكون الخطر حالاً: أي وشيك الوقوع وليس مستقبلاً، بحيث لم تتوافر للمدافع الفرصة لمراجعة السلطات العامة من أجل رد الاعتداء، فهو إن لم يقم بالدفاع وصد المهاجم وقع الخطر عليه وناله، شريطة أن يبدأ الرد قبل أن ينتهي الاعتداء. والحقيقة أن انتظار الهجوم الغاشم قد يضع المدافع في وضع يستحيل عليه فيه أن يدافع عن نفسه لذلك وجب السماح له بالمباشرة في الدفاع متى شعر بالخطر، أما إذا كان الخطر متوقعاً فقط وكان بمقدوره الخلاص منه بسلوك طريقة أخرى فلم يفعل، كمراجعة الشرطة أو القضاء مثلاً أو حتى مغادرة المكان، فإنه مسؤول عن فعله. ولكن من الذي يقدر ما إذا كان فعل الدفاع قد أتى في وقته أو جاء قبل أوانه أو جاء متأخراً؟ إنهم قضاة الموضوع، وإذا ثار شك جدي في نفوسهم فعليهم أن يقفوا الى جانب المدافع. 3- أن يكون الاعتداء غير محق ولا مثار: فلا تجوز مقاومة هجوم قانوني كتدخل الشرطي المكلف بالقبض على شخص بموجب مذكرة قانونية، فمن واجب هذا الشخص أن يمتثل للأمر، ولو كان امتثاله سوف يحرمه من حريته، بل إن هذا الحق مخول للأفراد العاديين المكلفين بالقبض على الجاني في حالة الجريمة المشهودة وتسليمه للعدالة ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة المشهودة جناية أو جنحة ذلك أن مبادرة الفرد إلى معاونة المجتمع حق له وواجب عليه وفقاً لأحكام المادة /26/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لذلك رفض المشرع السوري حق الدفاع الشرعي في الحالة التالية: زيد تهيأ لمهاجمة عمرو بغير حق، فاستعد عمرو للدفاع عن نفسه بسلاح أخطر، فخاف زيد على نفسه من بطش عمرو به، أي أنه أصبح في خطر يهدد حياته فبادر عمراً برصاصة عاجلة قتلته، فزيد في هذه الحالة لا يكون في حالة الدفاع الشرعي لأن عمراً هو الذي أصبح بسبب تعدي زيد في حالة الدفاع الشرعي لأنه كان يدافع عن نفسه، ودفاعه هذا محق، ولا يحق للمعتدي مقاومته، ثم إن زيداً هو الذي أثار عمراً. وقانوناً لا يجوز الدفاع ضد الدفاع لأن الاعتداء الأول يهدر دم المعتدي أما الدفاع فلا يهدر دم المدافع. 4- أن يكون الدفاع ضرورياً: فنص المادة /183/ من قانون العقوبات العام يتضمن:( قضت به ضرورة حالة) أي أن لا يكون المعتدى عليه قادراً على رد الاعتداء بغير العنف، فإذا كان المعتدى عليه يستطيع أن يحول دون وقوع الأذى بوسيلة أخرى، كإمساك يد المعتدي أو إلقاء شيء في طريقه يمنع الوصول إليه أو الدخول في بيت كان إلى جانبه فإن عليه أن يفعل ذلك. ومن الضروري استبعاد حالة الدفاع الشرعي إذا أمكن شل خطر المعتدي قبل أن يباشر اعتداءه كما لو أمكن التغلب عليه بتطويق جسمه من الخلف، أو ربط يديه، أو انتزاع سلاحه. وكذلك إذا انتهى الاعتداء، فإن فعل الدفاع لا يكون مبرراً ، ذلك لأنه يصبح انتقاماً، والانتقام مرفوض لأن الدولة هي المولجة بمعاقبة المجرمين، وليس لأحد أن يقتص لنفسه. ولكن هل يلزم المعتدى عليه بالهرب من وجه المعتدي، إذا كان بهربه يستطيع النجاة من الخطر؟ نرى أنه لا يلزم بذلك، حتى لا يتمكن المعتدي من تحقيق نصر لا يستحقه، ثم إنه غير ملزم بتعريض نفسه للسخرية، وإن النفس البشرية لا تتمكن دوماً من كبح جماحها لتفر أمام الشر. 5- عدم الإفراط في ممارسة الحق: أي يجب التناسب بين الاعتداء والدفاع من جهة، وألا يتجاوز المدافع عن نفسه حدود حق الدفاع المشروع من جهة أخرى، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة /227/ الفقرة/2/ من قانون العقوبات العام. فإذا كان بمقدور المعتدى عليه أن يدفع الاعتداء بلكمة يده فلا يحق له دفع المعتدي بالسلاح ومن كان قادراً على إنقاذ نفسه بجرح فليس له أن يقتل. ومتى كان فعل الدفاع متناسباً مع فعل الاعتداء فإن المدافع يكون في حالة الضرورة الآنية ولا يسأل جزائياً عن فعله. ثالثاً: آثار حق الدفاع الشرعي: 1- يمحو الجريمة والعقوبة ويعدم المسؤولية الجزائية والمدنية. 2- يستفيد من الدفاع الشرعي الفاعل والمحرض والمتدخل. 3- الدفاع الشرعي تستظهره المحكمة من تلقاء نفسها وإن لم يطالب به المتهم وهذا الحق معطى لقاضي التحقيق وقاضي الإحالة. 4- مناقشة المحكمة لطلب المتهم لاعتباره في حالة الدفاع الشرعي أو رده. 5- لمحكمة النقض رقابة كاملة على توافر شروط الدفاع الشرعي. -مما تقدم يتضح المعنى القانوني للدفاع الشرعي ونترك للمواطن الحر الكريم أن يقول كلمة حق ويجيب على التساؤل التالي: ألا يعد استعمال السلاح ضد أولئك المجرمين الذين يعيثون فساداً وقتلاً وتدميراً للمنشآت العامة والخاصة في حالة الدفاع الشرعي؟ |
|