تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«الحيـــاة مســـرح»

معاً على الطريق
الجمعة 20-5-2011م
قمر كيلاني

«الحياة مسرح ونحن عليه الممثلون» تلك هي العبارة الشهيرة من عبارات (شكسبير) الخالدة التي طالما طرحناها في مقالاتنا وأساليبنا الخطابية..

وفي مسارحنا أيضاً من خلال مقولة كلٍ منا ونظرته العميقة الى الحياة. ذلك أننا فعلاً كما قال شكسبير نصعد الى مسرح الحياة فنقوم بأدوار معينة ثم نختفي في غياهب الموت.. وربما تظل طروحاتنا باقية وراءنا. وهكذا قال (أفلاطون) من قبل في محاورته الشهيرة (المأدبة): «ما نحن إلا ظلال على جدار كهف نمر عليه ثم نختفي». ويبرز سؤال أزلي أبدي سواء من خلال العقائد والديانات أم من خلال الفلسفات والتأملات: من أين جئنا والى أين نسير؟.. وما الهدف أو الغاية من وجودنا على الأرض؟‏

ومادمنا نصعد تدريجياً منذ الطفولة حتى النضج على سلم المسرح وصولاً الى أدوارنا فإن علينا أن نكون واعين لتلك الأدوار.. ومحققين ذواتنا العميقة أولاً وأفكارنا الثابتة والصحيحة ثانياً. وهل يأتي الوصول الى الذروة أو القمة دون مؤثرات من حولنا من طفولتنا ببيئاتنا المتعددة من ثقافية، واجتماعية، وعقائدية، وغيرها؟.. وأولئك هم المحظوظون الذين يصلون الى قناعات كاملة وتامة يعيشونها ويدافعون عنها ماداموا على مسرح الحياة.. إلا أن هذه المقولات ليست ثابتة على الدوام.. وليست مفروضة على صاحبها بل هو قادر على أن يضيف اليها، أو يعمقها، أو يتوسع فيها، وربما يرفضها نهائياً ليصل الى مقولة أخرى تريحه، وتعبر عنه.. وهذا شأن آخر له مدلولاته وأسبابه الكثيرة والعميقة.‏

وإذا ما اعتبرنا المسرح المعروف والمتداول هو ظل أو تعبير ما عن أدوارنا في الحياة فإن هذا المسرح قد تكاثر في كل أنحاء العالم بأنواعه وأشكاله حتى لم يعد هناك مجال لإحصائه، ومن ثم ولدت منه أو من خلاله السينما مع التطور الصناعي. أما القفزة الهائلة والالكترونية فهي في الفضائيات والشاشات كخلايا النحل المتكاثرة.. لا يعرف أحد كيف تتم هندستها، وتمويلها، وبرامجها لتتلامع أمامنا على الشاشات وتتدافع. إذاً فأين الهروب من أدوارنا الحقيقية وأدوارنا المسرحية؟‏

وها هي فئات عريضة وكثيفة من البشر تنحاز باسم الفن الى مسارح الحياة تبحث عن أدوارها أولاً، وعما تستطيع هي أن تعبر عنه من خلال المسرح وما تولَّد عنه ثانياً. والمفارقة العجيبة أن الكثيرين ممن يستهويهم هذا المسرح يلعبون أدواراً مفارقة لحياتهم.. ومعاكسة لقناعتهم.. وكأنهم يعيشون على مسرح الحياة بأكثر من حياة.. وربما برعوا في هذه الأدوار التي يتماهون بها أكثر من براعتهم على مسرح حياتهم ذاتها.. لكن التراجيديا أو الدراما بالمعنى المسرحي هي التي يقف فيها هؤلاء في تحديد الحد الفاصل بين حياتهم وقناعاتهم.. وبين ما يريدون أن يوصلوه الى الجماهير. فكم من إنسان نبيل ووديع في حياته الحقيقية يبرع في تشخيص أو تمثيل القتل والعنف والقسوة وربما الإجرام. وكم من امرأة عادية وسليمة في مسارها تبرع في تمثيل دور الغانية وهي تبدل أثوابها ولعلها لا تدرك الخيط الفاصل بين ما يترسب في أعماقها وما تعلنه تحت الشمس.‏

وإذ تقوم محاكمات علنية أو سرية بين المسرحي وذاته.. أو بين المسرحي والعالم لكي يشهر موقفه الحاد والنهائي فإذا به يتهاوى بنشيج يُسمع أو لا يُسمع لأنه لم يعد يعرف المكان الذي يقف فيه.. وهل هو مع الثوابت التي كان يرفعها كالرايات في أعماله المسرحية أو الدرامية وبين ما يجد نفسه فيه من مهاوي الذل في التناقض وربما الخيانة؟.. ونسأل: خيانة مَنْ؟.. إنها في النتيجة خيانته لذاته لا أكثر ولو أنها تنسحب أحياناً على مَنْ يقلدونه أو يسيرون في مواكب شهرته وتميزه بين من مثّلوا أو صعدوا الى المسارح.‏

تلك هي اللحظات الفاصلة في حياة كل منا أن يسأل نفسه: من أين أتى من أرض القناعات.. والى أين يسير نحو النهايات؟.. ولعله يتسلح بقصيدة شعر أو بخنجر كما كتبت ذات مرة في مقالة لي: «الوطن ليس خنجراً ولا قصيدة شعر».. فالوطن أرض.. وخبز.. وأطفال.. وفرح.. وبكاء.. قحط.. ونماء.. واتصال بهموم الأرض.. أو برحمات السماء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية