تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعض الظن... لكل الناس

عيادة المجتمع
الأحد 4/3/2007
ميساء الجردي

يحكم الإنسان على الأشخاص والأحداث التي تمر عليه أحكاما إما ايجابية أو سلبية ويعتمد في ذلك إما على معرفته بالشيء أو الآثار والدلائل وإما بالظن المبني على الاحتمالات والتخيلات.

ويرى علماء الاجتماع اليوم بأن ظن السوء من أكبر آفات هذا الزمان ولقد انتشر بشكل واضح وملحوظ حتى بات ظاهرة تغزو أفكار ومواقف غالبية الناس, فالزوج قد يطلق زوجته لأنه ظن بها سوءاً وتلك تتخلى عن أعز صديقاتها لأنها اعتقدت بأنها تنافسها على مكانة معينة أوشخص معين وكثيرا ما تحول الأخوة إلى أعداء بسبب الحساسية من بعض المواقف وتفسيرها باحتمالات سيئة.‏

بين النفي والإثبات‏

ومن الأمثلة التي نشهدها كثيرا اذا اتصل أحدهم بأحد الاصدقاء أو المقربين ولم يرد عليه مباشرة سرعان ما يحكم عليه بأنه يكرهه ويتقصد عدم الرد عليه واذا صادفنا من نعرفه ونسي أن يلقي علينا التحية لأنه مشغول البال أو شارد بأمر معين سرعان ما نقول عنه: إنه متعجرف وتصرفاته غير متوازنة أما اذا أخطأ أحد الجيران بكلمة سيئة أو تصرف لأنه متضايق من أمر ما لا يتعلق بنا نقول إنه يكرهنا ويحسدنا وطباعه سيئة ..و.. الخ.‏

من المواقف اليومية التي يتأرجح الناس في تفسيرها معتمدين على الظنون أكثر من اعتمادهم على الوقائع وحسن النوايا والتي تدعونا إلى وقفة بسيطة تجاه هذه الظاهرة نسأل من خلالها: اذا شعرت أن أحدهم أساء إليك كم عذرا تلتمس له? أم كم موقفا واهما تبنيه على هذا الشعور?‏

ومن هنا نتوجه إلى الدكتورة نجوى نادر الاختصاصية التربوية في كلية التربية جامعة دمشق وسألناها عن أسباب لجوء الكثير من الناس إلى ظن السوء? وما أثر ذلك في العلاقات الاجتماعية?‏

وقد بدأت حديثها بتعريف ظن السوء: بأنه تمني الفرد زوال النعمة عن الآخر والاستمتاع برؤيته يتعذب وعدم القدرة على مشاركة الآخرين وجدانيا وتفسير كلامهم وسلوكهم بشكل سلبي.‏

أما من الناحية السلوكية: فهو العمل على أخذ الفرصة من الآخر بشتى الوسائل والتحدث عنه بسوء معتمدا على نقل الكلام والنميمة.‏

لماذا يرجحون الاحتمالات السيئة‏

في بحثها عن الأسباب قسمت الدكتورة نادر سوء الظن إلى أسباب نفسية تعود إلى الأنانية التي يكتسبها الفرد من الأسرة إما بسبب الدلال الزائد أو الحماية الزائدة عن الحدود الطبيعية ويدخل في هذه الأسباب الغيرة الشديدة الناتجة عن شعور الفرد بالحرمان أو بالنقص لأسباب مختلفة معظمها يرتبط بالتنشئة الأسرية والتي يمكن أن نضيف اليها الطبيعة العدوانية لبعض الأفراد أو الشعور بالاحباط الشديد بسبب عدم حصولهم على فرصة مناسبة في التعليم أو العمل أو الزواج..الخ فيرجحون الاحتمالات السيئة تجاه كل ما يصيبهم من أحداث أو مواقف مع أشخاص آخرين.‏

ثم تحدثت عن أسباب اجتماعية يمكن النظر اليها من خلال تعقد الحياة المعاصرة وصعوبة الحصول على الحاجات والتي ترتبط بمشكلات اجتماعية اخرى كالبطالة ومشكلات المهنة ومشكلات الزواج التي تخلق أجواء من المنافسة السلبية وعلاقات قائمة على المنفعة والمصلحة والواسطة والمحسوبيات وغيرها من الأشياء التي تدفع بهؤلاء الناس للحكم على الأمور بطريقة الشك والوهم.‏

أما اذا اضفنا إلى ماسبق سوء الأوضاع المادية وانشغال الناس بتأمين متطلبات الحياة فإننا نلاحظ أن اهتماماتهم تتركز على الذات وتحقيق مكاسب شخصية ما أدى إلى الانغلاق على الذات والأخذ دون العطاء فينطلق الإنسان من مفاهيم ضيقة يطلق أحكاما على هذا وذاك دون دليل ثابت.‏

ضحايا سوء الظن‏

في كثير من الأحيان يكون الإنسان ضحية لسوء الظن, فنحن بحاجة للوضوح في علاقاتنا وحياتنا لأن الكثير من الناس يعتبرون انفسهم الأفضل ويعيشون بمقاييس مزدوجة بعيدة عن الصراحة تماما كما يحدث في أماكن العمل أو في نظرة الناس للمرأة التي تركها زوجها لمجرد أنهم يحملون افكارا مسبقة عن المرأة المطلقة وتقول ليندا محمود: لقد تخلى عني خطيبي لأنه رآني صدفة أتحدث إلى شاب كان زميلا لي في الجامعة مع أنه كان دائما يحدثني عن الثقة بالنفس وبالآخرين.‏

وتقول تهاني.ج: تفاجأت من الكلام الجارح والمسيء الذي وجهته لي جارتي بعد صداقة استمرت ثلاث سنوات وبعد مدة عرفت أنها كانت تظن أنني أغار منها واتقصد فتح الأحاديث مع زوجها.‏

في حين ترى رنا سيف: أن التشكيك في غايات الناس أمر سيء جدا ولكن للأسف أصبح الاعتداء على سمعة الناس وخدش سمعتهم أمرا طبيعيا يعتمد على ظواهر الأمور وتقول: أنا فتاة تحب ارتداء الموضة والعيش دون قيود تقليدية لكنني أسمع الكثير من التعليقات التي تسيء وتشكك في تصرفاتي.‏

الإنسان عدو ما يجهل‏

وسألنا الدكتورة رشا شعبان مديرة البحث العلمي :‏

هل وراء حالة سوء الظن الجهل بالحقائق ولماذا لايرى البعض في تصرفات الناس إلا الجانب المظلم? فأشارت أن:‏

من يجهل الشيء يأخذ منه موقفا سلبيا, والانانية والانغلاق على الذات تجعل الإنسان يرى الايجابيات في شخصيته ولا يرى إلا السلبيات لدى الآخرين كما أن عدم الثقة بالنفس تجعله يتحدث عن أخطاء وسلبيات الآخرين ليشعر هو بالتفوق وتقول: سوء الظن قد يكون ناتجاً عن خبرات سابقة أو محطات معينة مع أشخاص وثق بهم ثم خرج من علاقته معهم بانطباع سيىء ولكن في كل الأحوال إن القفز السريع في تعميم الاحكام لايدل على النضج العقلي واذا تعرض الانسان لتجربة سيئة لا يعني تعميمها على جميع الناس وإلا أصبح جميع الناس مدانين حتى تثبت براءتهم.‏

وسوء الظن يدخل بنسق تفكير الإنسان, فالتعصب يدفعه لنقض كل ما يختلف عن ثقافته أو عن معتقداته ومعارفه ولهذا خطورته في المجتمع لأنه يفترض أن يكون هناك معايير عامة معروفة تحدد الثقافة القيمية.‏

آثار وحلول‏

ومن كل ما تقدم يمكن الاشارة إلى أن سوء الظن ما هو الا صرخة عاجز وحالة مرضية تتوسع وتنتشر دون حساب, وترى الدكتورة شعبان أن من أهم آثاره تفكك العلاقات الاجتماعية والابتعاد عن منهجية التفكير العلمي الصحيح أو بذل الجهد لمعرفة الحقيقة, ضعف في التواصل الإنساني مع سيطرة النظرة التشاؤمية على كل ما يحدث في المجتمع.‏

وبعودة إلى الدكتورة نادر: فإنها ترى أن الطريق لعلاج سوء الظن هو الفهم لطبيعة المجتمع والمحيط والبحث عن الفرص في مكان آخر وحرية التعبير ورفع مستوى الوعي لدى الناس المرافق لرفع مستوى المعيشة وتحسين الظروف المادية للشباب لأن المفاهيم الايجابية لا تأتي الا من التنشئة والظروف الايجابية.‏

وأخيرا نقترح وجود مؤسسات تتابع المشكلات الاجتماعية بشكل حقيقي لتحمي المجتمع من أمراض تهدد صحته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية