|
شؤون سياسية ونتيجةلضغوط حلف الممانعة والمقاومة كقوة إقليمية عطلت مفاعيل قوتها ودورها الوظيفي في المنطقة, وقد حمل هذا المؤتمر اسم «مؤتمر هرتسيليا» نسبة إلى منطقة هرتسيليا التي استمدت اسمهامن تيودور هرتسيل واضع المشروع الصهيوني في مؤتمر بال. وأواخر الشهر المنصرم انعقد المؤتمر 12 بعنوان « في عين العاصفة.. إسرائيل والشرق الأوسط» تعبيراً عن شعور الخوف الذي ينتاب إسرائيل من تحديات المرحلة، وخصوصاً منها التحدي الإيراني حسب كلمة شمعون بيريز. والمفارقة الغريبة في المؤتمركانت في مشاركة بعض العرب فيه ومنهم سلمان الشيخ كممثل عن قطر, والأمير الأردني الحسن بن طلال شقيق الملك السابق حسين, وصائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين وعدد آخر من أساتذة جامعة واقتصاديين عرب داخل فلسطين المحتلة ومن مصر والأردن وغيرهما. ووجه المفارقة هنا هو أنه بالرغم من أن المؤتمر صهيوني بامتياز وجرى عقده لمناقشة هموم إسرائيل الناشئة عن تحديات تؤرقها ليل نهار, وبالرغم من أن التوافق العربي في معركة الصراع مع إسرائيل استقر منذبدء الصراع على مقاطعتها وتجريم الاتصال بها, نجد عرباًيخرجون على هذا التوافق بزيارة إسرائيل والمشاركة في مؤتمر يخصها، فلماذايفعل هؤلاء هذا الفعل الخارج عن الاجماع العربي ..؟ هل لمعرفة كيف يفكر العدو القومي لأمتهم في الحاضر والمستقبل وكأن قرنا ونيفاً من الصراع معه لم يكن كافياً لاكتشاف طريقة تفكيره القائمة على التمييز العنصري والتفوق وعدم السماح للعرب بالنهوض والانتصار لحقوقهم, أم لرسائل يراد تحميلها لهؤلاء من خلال أفكار تطرح في المؤتمر وتهدف إلى بث حالة من الخوف والذعر على مستقبل المنطقة في ضوء ما تبيته إسرائيل من مخطط عدواني ضد من يقف في وجهها, حتى إذا ما استوعبوها واقتنعوا بها على نحو ما يشتهيه العدو أعادوا طرحها في محاولة لإخافة شعوبهم والقوى القومية والإقليمية المتحدية لإسرائيل من الإمعان في تحديها لها ..؟ إن كون المشاركين من نخب سياسية وثقافية واقتصادية تعنى بشؤون الصراع وسياسات أطرافه، ينفي ربط مشاركة هؤلاء بمعرفة طريقة تفكير إسرائيل بالتحديات المحيطة بها، ما يجعل التفسير المنطقي لهذه المشاركة وخلفياتها يدفع إلى القول بأنها تمت وسط الظروف الحالية من الصراع لهدفين اثنين، يتصل الأول بما تريده إسرائيل من العرب خلال المرحلة الراهنة على صعيد تصفية القضية الفلسطينية, ويتصل الثاني بما تريد ترويجه في المرحلة الراهنة أيضا حول «الخطر الإيراني» وتريد لهؤلاء أن يكونوا الحامل الدعائي له, والشريك في نقله وهذان الهدفان هما: 1- التطبيع الفكري والثقافي: إن مشاركة فريق عربي من قطر ودول عربية أخرى في مؤتمر داخل إسرائيل يعنى بمخاوفها المعلنة من التحولات الاقليمية وتأثيرها في موازين القوى ومعادلات الصراع, أمر لا يمكن فهمه إلا على أنه تطبيع فكري وثقافي من جانب هؤلاء يحقق لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه في هذا الإطار على مدار عقود من الزمن بدليل أن الشعب العربي وخصوصاً في مصر نظر دوماً إلى كل «مفكر ومثقف» عربي ينزلق إلى مهاوي التطبيع, على أنه خارج على تقاليد الأمة وثوابتها التاريخية, ومفرط بتضحياتها وعميل لعدوها المشترك. وأهمية هذا التطبيع بالنسبة لإسرائيل أنه يشكل خطوة على طرق التطبيع الذي لطالما سعت إليه في اتجاه الدخول إلى العقل العربي لكي تنهي حالة الصراع المستعصية معه ويقبل بها كجزء من المنطقة ونظامها, ويتقبلها بالشكل الذي تقدم نفسها وتحاول خداع العالم به كأنموذج حضاري في الشرق الأوسط وظيفته نشر الحضارة في صحراء من التخلف والجهل، خلافاً لحقيقتها ككيان زرع في المنطقة ليحول دون تحررها وتقدمها, وليبقيها تحت تهديده الدائم. والخطأ الفادح لإسرائيل في هذه المقاربة, هو أن المطبعين الجدد لن يغيروا من واقع الصراع في شيء لأن العقل الجمعي العربي يعرف كيف يميز بين مثقف يهون عليه التطبيع ويرتضي ذله, وبين مثقف يرفضه ويعبر بموقفه القومي عن نبض أمته وروح المقاومة فيها. 2- التوافق الاستراتيجي مع العدو: وفي صخب الحديث عن استعداد إسرائيلي أو غربي أو مشترك للطرفين لتوجيه ضربة عسكرية لإيران تهدف إلى وضع حد لما تسميه إسرائيل والغرب بمخاطر البرنامج النووي الإيراني عليهما وعلى العالم, تصبح هذه المشاركة تعبيراً عن تفهم أصحابها لتوجه إسرائيل الراهن ضد إيران, وتوافقهم الاستراتيجي معها على تصوير إيران بانها الخطر الأكبر على المنطقة وإسرائيل والعالم, وعلى ضرورة أن يقف العرب إلى جانب إسرائيل في صراعها مع إيران بذريعة أنهم مثلها هدف لهذا الخطر, حتى إذا ما انطلت هذه الخدعة السياسية تنجح إسرائيل وأميركا في واحد من أخطر مخططاتهما وهو تحويل الصراع في المنطقة من صراع عربي- غربي إسرائيلي, إلى صراع يحتشد فيه قسم كبير من العرب إلى جانب إسرائيل والغرب في مواجهة إيران. لماذا..؟ ليس لمواجهة خطر برنامجها النووي الذي ثبت زعمه وبطلانه, وإنما لكسر التحدي الذي تمارسه في وجه إسرائيل والغرب بمواقفها الداعمة لقضايا الشعوب وتحالفها مع قوى المقاومة والممانعة وتصميمها على حقها بامتلاك قوة الدفاع عن الذات وناصية العلم والتقدم. وهنا يبدو الهدف من مشاركة هؤلاء شحنهم بأفكار المخطط الإسرائيلي، حتى إذا ما تمثلوها أعادوا نشرها «بالعربية»على أمل أن تفعل فعلها في التمهيد له وتهيئة العقل العربي والإقليمي ليكون أكثر تقبلاً للحرب العدوانيةالتي أعدت لها أميركا وإسرائيل كل مستلزماتها ويراد بها ضرب إيران وربما مد رقعتها لتشمل استهداف قوى المقاومة وسورية . وليس أدل على الشذوذ الذي تمثله هذه المشاركة عن قواعد الفكر العربي المقاوم، من الموقف القومي الأصيل الذي اتخذه الدكتور سليم الحص رئيس الوزراء اللبناني الأسبق منها حين رد عليها بالاستقالة من منصبه الرفيع في مؤسسة قطرية، وقال فيها إنها «ظاهرة نابية ومستهجنة» |
|