تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من سرّه زمن ساءته أزمان

من داخل الهامش
الأربعاء 15-2-2012
ديب علي حسن

متوحشون، من عصور ما قبل التاريخ يبدو حال الكثيرين في هذا العالم، لبوسهم بشر، ياقات و «هندام» ما أروعه شكل مغرٍ، جذاب تراهم وللوهلة تظنهم أساتذة حضاريين في كل شيء ولكن ما يكادون ينطقون حتى تتمنى لو أنهم ظلوا صامتين لائذين بمحراب الظل،

نعم تتمنى ذلك حفاظاً على ما رسمته في خيالك لهم، أو في أحسن الأحوال لتحفظ ماء وجوههم، وقد بدوا خارج إيقاع الحضارة و التاريخ.‏

هذه حال الكثيرين من الأعراب، بالأمس قبل فورة النفط يقفون أرتالاً على قارعة الطريق ينتظرون موكب الحجيج الشامي لينادوا بصوت مكسور: حسنة.. من مال الله.. يا محسنين.. نعم الأمر ليس بعيداً.. ربما منذ سبعين عاماً أو أقل هذه أحوالهم.. و اليوم صاروا يركبون المرسيدس و أفخر أنواع السيارات، وينزلون في أفخم فنادق العالم.. لا لأنهم أهل لذلك، بل لأن دولاراتهم و نزواتهم تقودهم إلى ذلك.. أبناء سورية الذين نالوا أول استقلال في تاريخ الوطن العربي، وأول من قدم قوافل الشهداء منذ السادس من أيار الى اليوم والغد و بعده.. هذا الشعب هو الذي صنع للعرب مجداً، وهو نافذتهم على العالم، هل يذكرون الثورة العربية الكبرى التي حررتهم من نير العثماني.. من كان وقودها.. من غرس بذورها و أنبتها.. أيها الأعراب.. نحن لم و لن ننسى أننا عرب، نزرع ونحصد، أننا أبناء قرى ومدن، نعمل في كل المهن الشريفة الأبية، لم ننسَ أننا أطعمناكم يوم جوعكم، وصنا شرفكم يوم بعتموه، هل ينسى أنه كلما عطش كان الماء يأتيه نميراً من دمشق.. الآن شبعتم وامتلأت جيوبكم و علا صوتكم هنا.. نخوة للغدر، للخيانة، لا لإغاثة أخ وشقيق.. أحد رسامي الكاريكاتير المعروفين وقبل أن ينتفخ هو الآخر مثلكم ويملأ بطنه و فمه مالاً حراماً صوركم في رسم كاريكاتوري عام 1982م أثناء عدوان إسرائيل على بيروت، و الرسم بثلاث المراحل هي: طائرة صهيونية في السماء تقصف وتحتها امرأة شابة ومعها طفل تحاول الهرب.. طبعاً يظهر ذلك على شاشة التلفاز وأحد أمرائكم يرى في المرحلة الأولى، لم ينبس ببنت شفة، في المرحلة الثانية تسري المرأة الخطا.. وأيضاً لا يعلق.. في الثالثة تسقط أرضاً ويرتفع فستانها عن فخذيها فتبدو على أميركم ملامح الفرح و السرور ويقول: آه.. يا سلام.. هذا الرسام صوركم هكذا أنتم تغادرون هذه الحالة، بل ازددتم سوءاً، وذهبتم نحو كل المخازي، واقترب هو منكم بعد أن استطال.. واستطال.. مهلاً.. كفاكم المال على حدّ قول حاتم الطائي: رائح وغاد.. سيذهب يوماً ولن تبقى لكم إلا مدن الملح.. أما مدننا فهي شامخة، صامدة. لأنها أصيلة حقيقية، من عرق أبنائها من ثروات وطنهم، بنيت بخبراتهم.. لأن كرامتهم تسورها.. هل نذكركم بأبي البقاء الرندي وقوله: من سرّه زمن ساءته أزمان..‏

dhasan09@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية