|
كتب الترجمة كترجمة بحد ذاتها كعلم واحتراف ومهنية بدأت تلقى اهتماماً من الباحثين والدارسين. وفي هذا الإطار يأتي كتاب (التنظير في الترجمة) الصادر عن المنظمة العربية للترجمة وهو من تأليف جان رينيه لادميرال ترجمه إلى العربية د. محمد جدير. في مقدمته أشار المترجم إلى أن ما يسميه لادميرال بالترجمة المنتجة يكمن دورها في علاج المترجم مما قد تسببه له الترجمة من حصرات نفسية وذلك بمفهمة الأشكال والتعبير عنه بالكلام وهو ما يفصل فيه المؤلف القول في تصديره للطبعة الفرنسية وهو التصدير الذي تتضمنه هذه الترجمة العربية ويؤسس الخطاب الترجمي الذي يتبناه لادميرال على ثالوث يتكامل معرفياً وتقوم عناصره على تراتيبية تعطي الأولوية للفلسفة وتزكي تبعية اللسانيات وعلم النفس لها. أقسام الكتاب يضم الكتاب فصولاً أربعة تباينت أحجامها ومراميها تنطلق من تعريف الترجمة (ما هي الترجمة) إلى علاقة البيداغوجيا بالترجمة إلى الخوض في مسألة تهم ممارسي الترجمة ومنظريها. وقد أفرد الفصل الرابع والأخير الذي يمتد على صفحات عديدة لإشكال ترجمة ظاهرة التضمين والسعي إلى مفهمتها . وقد عرض لادميرال لمجموع المنظرين الذين عالجوا الظاهرة (مونان- بلومفيلد- مارتينيه- ليونز) لكي يخلص إلى استنتاج مؤداه أن فشلهم في إيجاد حل كاف للمشكل يكمن في الطابع النظرياتي الذي يميز أبحاثهم وبعبارة أخرى فإن الباحثين الذين خاضوا مغامرة التنظير لم يكونوا من زمرة الممارسين للترجمة في مجملهم بخلاف لادميرال الذي استنبط تنظيره عن عشرات الكتب الفلسفية التي ترجمها عن الألمانية (هابرماس وأدورنو وفروم.. وباقي رواد مدرسة فرانكفورت عموماً). ما الترجمة؟ يقول المؤلف تعد الترجمة حالة خاصة من التماس والتقارب اللساني وهي تفيد بالمعنى الواسع كل شكل من أشكال (الوساطة البيلغوية) التي تمكن من نقل المعلومة بين متكلمي لغات مختلفة وتنقل الترجمة رسالة من لغة انطلاق أو لغة مصدر إلى لغة وصول أو لغة هدف. تعني الترجمة في الوقت ذاته ممارسة الترجمة ونشاط المترجم بالمعنى الدينامي ونتيجة هذا النشاط أي النص- الهدف ذاته بالمعنى السكوني وتأخذ الكلمة أيضاً في بعض الأحيان المعنى المجازي الموسع إلى حد بعيد لعبارة تمثيل أو تأويل. أما المترجم فينبغي أن تتوافر له معرفة متينة بلغات اشتغاله وثقافة عامة واسعة. وفي حال الترجمة التقنية يجب أن تتوافر له معرفة بالمجال الذي ينتمي إليه النص المروم ترجمته ومن ثم يجب عليه التزود بالوثائق باستمرار وتضطلع بتكوين المترجم خلال ثلاث سنوات أو أربع معاهد جامعية مثل المدرسة العليا للمترجمين الفوريين والمترجمين بباريس ومدرسة المترجمين بجنيف. أما النقل إلى اللغة الأجنبية والنقل إلى اللغة الأم المطبقان في المدرسة فهما يخضعان عمليات الترجمة للاستراتيجية العامة لتعليم اللغات ويتضمنان مجموعة من الاكراهات الخاصة ويشكلان أيضاً تمارين بيداغوجية تمثل حالة محدودة وشاذة نسبياً بالنسبة إلى الترجمة الحقيقية، فالترجمة تسعى إلى انتاج نص موجه إلى الجمهور وليس إلى مصحح والترجمة الحقيقية هي فعل تواصلي محدد اقتصادياً بشروط إنتاج المترجم. البعد الثقافي في الفصل الثاني ينتقل المؤلف للحديث عن البعد الثقافي قائلاً: إذا صح أن النقل إلى اللغة الأجنبية يقتضي أيضاً تأويلاً دلالياً دقيقاً للنص في اللغة الأم فإن هذا يمثل مظهراً من الحد الأدنى المطلوب بالنسبة إلى بيداغوجيا اللغات الحية الأجنبية. صحيح أنه يطيب لنا في الغالب الأعم أن ننسب الأخطاء في النقل إلى اللغة الأجنبية إلى أغلاط تخص النص الفرنسي وهو أمر مبالغ فيه إلا إذا كانت الفرنسية المصدر تتضمن بالطبع ما يجب تسميته إحياء المنبوذ والمهمل والمهجور والمبهم. إن الأمر يتعلق في الحقيقة بمشكل يخص التعبير. والنقل إلى اللغة الأم يتم تعلم اللغة الفرنسية فيه بطريقة موضوعاتية وبخلاف النقل إلى اللغة الأجنبية حيث يقدم الاشفار بوصفه اعادة بناء تحليلية على أساس الوحدات الدنيا للترجمة فإن عملية النقل إلى اللغة الأم تباشر بطريقة توليفية بواسطة الوحدات الشاملة للترجمة والتي تتخذ لها موقعاً على مستوى الجملة ومن ثم تتعدى اللغة الأم كونها مجرد أداة تواصل مهمتها نقل المعلومات، إنها الوسط التوليفي الشامل الذي يشكل مصدر التكوين الأساسي للفرد والذي تمر عبره طرق تعلمها المختلفة. ويتخذ البعد الثقافي مظاهر ثلاثة في النقل إلى اللغة الأم ويشهد هذا الضرب من النقل باعتباره تمريناً في الفرنسية- الهدف على ما إذا كان المرشح مثقفاً وعلى ما إذا كان يتمتع في الآن ذاته بتكوين أساسي وثقافة شخصية ويبين النقل إلى اللغة الأم من جهة ثانية أنواع الحجب والحذف التي تحدد المعيار اللساني والثقافي لفرنسية - هدف ذات صبغة أكاديمية. محطة أخيرة يعتبر الكتاب من المؤلفات النادرة عن إشكال التنظير في الترجمة وهو تنظير استوحاه المؤلف من تجربته العملية في الترجمة وحول ذلك يقول: هذا هو الميدان الخاص بالمراس الترجمي الذي شكل نقطة انطلاق تشبثت بها لأستخلص ما أسميه وحدات نظرية من أجل الترجمة وهي وحدات يبدو أنها قابلة للنقل أيضاً إلى ميادين غير تلك التي أخذت منها إلا أنه ينبغي في ميدان الترجمة ألا نخلط النظرية بالتطبيق، ينبغي الفصل بينهما قبل الوصل بينهما فالتفخيم النظرياتي لا يغني عن ممارسة الترجمة على ما قد يعتريها من نواقص. ما جدوى نظرية جميلة دقيقة الاتساق وعلمية ما لم تكن وطيدة الصلة بالواقع الفعلي للمهنة ونابعة منه؟ ومن ثم فإن التنظير الذي اقترحه لا يعدو أن يكون تنظيراً عارضاً أو جانبياً، إنه لا يقدم حاصل مدونة مذهبية متكاملة بل يقدم بوصفه نظرية متشظية فتاتية أو نظرية في طور التشكيل ترمي إلى رفع التحدي المتجدد للمشكلات المادية المتعددة التي لا تفتأ تطرحها علينا ممارسة الترجمة. الكتاب: التنظير في الترجمة - المؤلف: جان رينيه لادميرال - المترجم: د. محمد جدير - الناشر: المنظمة العربية للترجمة |
|