|
مسرح تكاد تلتصق بأغلبية عروضه ،تلك التي يتداخل فيها العرض المسرحي مع جمهوره خالقا الفضاء الخاص، ومبدعا لعلاقة تصبح بمثابة حتمية تتجلى باتجاهات عديدة ،ضمن الشروط الفنية المطروحة،
فالمخرج نفسه نراه في كل عرض يبدع في خلق فضاءه الجديد ، بعيدا عن الأطر التقليدية لشكل العرض المسرحي، فأماكن عرضه أحيانا في الشارع ، و أحيانا في ملجأ، و الآن مقهى دار الأسد، فهو يحرص دوما على كسر الحواجز مع جمهوره ، حتى يشركه في لعبته المسرحية، و ذلك بحضور آليات مسرحية و درامية خاصة، باتت تميز عروضه على جميع الأصعدة أسلوبا كما هو مضمونا. ففي عرض /الأرامل/ تتراءى أمامنا حالات و حالات تستند جميعها بأبعادها الدرامية إلى انطلاقة مركبة و سخية ممنوحة، لكل شخصية على حدة،فيتم الاستفادة من أسلوب مسرحي، يمنح ممثليه آفاقا واسعة يمكنهم من التحليق بحق في أدائهم التمثيلي، كما التقديم لحالات درامية غنية متدفقة ،تتقاطع وفق آليات درامية محكمة يمكنها أيضا إيصال ، مقولات متعددة، فكل أرملة تحاول الخروج من حزنها بطرق قد تبدو مستهجنة و غريبة، لكن من عمق ذاك الاستهجان و تلك الغرائبية توالدت الحالة الإبداعية في العرض،حيث ترجمت حالاتها بأشكال مسرحية عديدة و معبرة عن إشكالات في دواخل شخصيات العرض، كما التناقضات التي تعيشها،هي مع نظائرها في المحيط ضمن الأجواء الدرامية كما المسرحية، متضمنا جمهور المتلقين، فقصص تلك النساء اللاتي يترددن إلى المقهى تمنحنا فرصة التعرف على عوالم كل منهن و المعاناة ،إضافة إلى النماذج الإنسانية المختلفة، و شروط تبدل تعاملهن مع الظروف ،على الصعيدين الإنساني والاجتماعي ،ثم إظهار إمكانية تلك المعطيات المشروطة في الفرز لنماذج عبثية قد تخضع للحالات المنطقية، وقد يحصل العكس ،وفي كل ذلك تتجلى قراءات متباينة يمكنها أن توازي الواقع بامتياز، و كل ذلك بحضور أساليب درامية مكنت المتلقي من أن يعيش ضمن أجوائها و تفاصيلها كما حالاتها الافتراضية والعبثية، فالعرض و شخصياته اعتقوا أنفسهم من القيود ، كي ينطلقوا في مساحات حياتية واسعة متناقضة و غنية ، وخصوصا انه يدور في عالم من الاقتراحات المفترضة، و التي تعلن عنها أحيانا في صيرورتها المسرحية ،عبر كسر الإيهام ثم إرسال الصدمات غير المتوقعة، فحالة الأرامل المأساوية تتعامل معها النسوة بشكل غير متوقع ، ويتم التعامل مع الموت بشكل فيه استسهال غريب ،فذلك يطرح العديد من الأسئلة تجاه الموقف كما هو الإشارة إلى أمور حياتية أخرى، تتطلب النظر إليها من زوايا متعددة، و كأنه هناك اتفاق ضمني بين العرض و جمهوره، أن تلك الحالة في قالبها ذاك هي مقبولة من الطرفين ، حيث الحالة ككل تفسح المجال لشخصيات العرض بتقديم أفكارها و اقتراحاتها العديدة كما حالاتها المحتملة ونماذجها ، كان من ضمنها نماذج غير مقروءة ،لكنها محتملة الحضور،وخصوصا تلك المرأة التي يتكشف بشاعة نموذجها ووحشيتها،بعد أن يقع رجل المقهى بحبها، فظهر أمامنا حالات فوضوية ،تتحدث تلقائيا عن نفسها ،فتخلق حالة من الاستهجان كرد فعل طبيعي، فجسدت هنا هي ونظيراتها الفرصة أمام المتلقي ، عوالم متناقضة عن قرب و ضمن مساحة واحدة،كي يكتشف كنهها و منطقية غرابتها، يستهجنها أو يوافق عليها، وان تناقضت مع واقعه،أو مع الحالة الأساسية المطروحة ضمن العرض، لذلك استحوذ العرض على أجواء مسرحية شديدة الخصوصية تمكنت من استحضار عوالم ، من شأنها الإيحاء بالكثير من المقولات الإنسانية التي تفرض نفسها بقوة بسبب آلياتها المنطقية و معطياتها المقنعة،وذلك في ضوء حفاظها على شروطها الفنية والدرامية، وقد تجسد ذلك بقوة من خلال تطور شخصيات العرض المتوازية و علاقاتها الخاصة ثم آلية التعاطي مع المتلقي ذاته، فساعد العرض هنا في استكشاف تبعات أفكار و علاقات إنسانية و بيئات بعد رصد صيرورتها ضمن المحيط و الظروف ككل،و قد تمت بلورتها ضمن أساليب مسرحية متعددة ،تكفلت كل منها بخلق عالم من التصورات و التفاصيل، تم الإيحاء لها بشكل مبدع ، بعد أن تمكنت من تجسيد رؤيا إنسانية متعددة ، تجددت متزامنة مع مجريات و أفعال و أحداث عرض يمسرح بحق خاصية التلقي المسرحي بشكل خلاق، وخصوصا أن الممثلين عاشوا أدوارهم الخاصة ضمن العرض بتعمق شديد مؤمنين بتجاربهم ،ندرك ذلك بعد أن يعودوا إلينا ،و بعد دعوتهم المتلقي، للتدخل في عوالمهم و تجربتهم و أسئلتهم المشروعة، فأهدى العرض لجمهوره وقتاً ممتعاً بحق ، وذلك عندما حضرت آليات إبداعية جديدة ، تميزت بحيويتها في سياق التلقي و التفاعل، ودعم ذلك التقاط العرض لحالات إنسانية و اجتماعية، تحتمل القراءات المتعددة لتفاصيل حياتية من الناحية النفسية و الدرامية ،حيث طرح العرض أسئلة شاملة مفتوحة تتوارد إلى الأذهان، تتطلب التفكير بشكل حر، بعيداً عن الالتزام بأي زمان و مكان ، وقد تمت ترجمتها فنياً بأسلوب خاص و أداء ممثلين أتقنوا لعبتهم بامتياز ،إذ اتسموا بحيوية مطلقة تمكنت من تصور فرضيات عند المتلقي، جذبته إلى التفاعل كما الفعل ،و ساعد في ذلك خيار المقهى كمكان، الذي فتح احتمالات واسعة آتية من صلب الحياة ،أمام الجمهور ،ليشارك جنباً إلى جنب مع الممثل بخيالاته و توقعاته لإكمال الصياغات و التوليفات التي يلتقطها بنفسه من بين شخصيات العرض ،فيدرك القواسم المشتركة تلك التي شملته أيضا، لأن الحالات التي تطرقت لها الشخصيات بمحاورها وخطوطها كانت مفتوحة أمامه، كي تشركه عن قصد في حالة حوارية وتشاركية ، أصر صانعو العرض على بلورتها،عبر الشكل الفني كما هو عبر المضمون الذي زج بتساؤلاته الواسعة في وجهه. |
|