|
دين ودنيا وتعلم في مدرسة إنجليزية, واجتاز امتحانها بامتياز, ثم تعرف إلى أستاذ يتقن الفارسية فغرس في نفسه حب الثقافة والإسلام إلى جانب إلمامه بثقافة العصر, وسافر إلى لاهور فالتحق بكليتها ليتقن الانجليزية والعربية وينال وسامين علميين, واتصل بذوي الفضل من رجال التعليم فأفاد منهم كثيراً, وأخذ ينظم الشعر بالفارسية فلفت الأنظار إليه, وأصبح أديباً شهيراً ثم نال درجة الماجستير في الفلسفة, وعين أستاذا بكلية لاهور ثم بكلية الحكومة ولم يصرفه التدريس عن الشعر, بل ظل ينظم الشعر ويلهم شباب الهند آماله الكبيرة في الدعوة والبناء والإصلاح. في سنة 1905 سافر إقبال إلى لندن فدرس الفلسفة والاقتصاد بجامعة كامبردج ولم ينس رسالته الدينية, فأخذ يلقي محاضرات في موضوعات إسلامية غيرت مفاهيم كثيرة بلندن, وسافر إلى ألمانيا فنال درجة الدكتوراه من جامعة ميونيخ في الفلسفة, ورجع إلى لندن حيث حضر الامتحان النهائي في الحقوق والاقتصاد ثم عاد إلى الهندسة عام 1908 وقد صار أستاذاً صاحب رسالة ومنهج في العلم, ومفكراً مهتماً بشؤون الإسلام والمسلمين. وتحدث عن رحلته إلى أوروبا بقوله: رأيت فلاسفة بالألوف رؤوسهم تحت أطمارها وذو الوحي يكشف عن رأسه ويهتك أسرار أطمارها بريق الحضارة أوج الترف لدى الغرب لم يستطع فتنتي أنا ابن المدينة ابن النجف غبارهما كان في مقلتي غبارهما قطرة للعيون وأنفع طب لذي علة مقيم برغم رياح القرون وما كان من مستبد عتي وكانت حالة العالم الإسلامي في كل دولة موضع تفكيره الملحّ سواء بسواء -كحالة المسلمين بالهند- لذلك ندد بفظائع إيطاليا بطرابلس, وهاجم تواطؤ الغرب على تركيا في البلقان, ونشر من القصائد الحماسية ما جعله شاعر الإسلام الأول في عصره وظل يوالي نشر أفكاره الثائرة سياسياً, ويؤلف الكتب الفلسفية والدينية بالانجليزية والفارسية, حتى لقي ربه في سنة 1938. ويعتبر إقبال ملهم الباكستان وواحداً من آباء الاستقلال حيث وقف إلى جانب محمد علي جناح في دعوته لقيام الباكستان, وتولى بنفسه التفاوض والحوار من أجل إنجاز الاستقلال الباكستاني وهو ما تحقق بالفعل, ويختاره الباكستانيون اليوم أباً روحياً للباكستان ولا تزال صوره اليوم تزين الشوارع والساحات العامة في باكستان, كما لا يزال ضريحه في لاهور مزاراً يقصده الباكستانيون من كل مكان. ترك إقبال ثروة ضخمة من علمه قل أن تركها أحد مات في مثل سنه, ومن آثاره عشرون كتاباً في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر وترك أيضاً بعض الكتابات المتفرقة وبعض الرسائل التي كان يبعث بها إلى أصدقائه أو أمراء الدول, ذلك إلى جانب روائعه من الشعر والتي استحق أن يسمى بسببها (شاعر الإسلام). ولعل أهم كتاب تركه محمد إقبال هو كتابه: التجديد الديني في الإسلام, وفي هذا الكتاب يشرح إقبال رؤيته لواقع المسلمين ويؤكد ضرورة التجديد في الفكر الإسلامي ويستعرض عدداً من التجارب الإصلاحية في العالم الإسلامي مستشهداً بالتجربة التركية, ويدعو مرة أخرى لجامعة حقيقية للدول الإسلامية بحيث تعزز آمالهم في الوحدة والتقدم والازدهار. وترك إقبال عدداً من الدواوين الشعرية التي سجل فيها حكمته وتأملاته, منها جناح جبريل وبيام مشرق وشكوى وجواب شكوى, وفي قصائده هذه كان يطيل الوقوف على أطلال الحضارة الإسلامية يستلهم منها الدروس ويحاول أن يحاكي الواقع المرير, ولم يتردد في مواجهة التخلف في البلاد الإسلامية وخاصة ذلك التخلف الذي كان يسكن الزوايا والتكايا والمدارس الدينية في الهند, ويأسف لرجل المحراب الذي حول أمته من مشروع نهضة وقيام إلى واقع خمول وسقوط وفشل, بدعاوى الزهد والإعراض عن الدنيا والعمل للآخرة. من أشهر قصائده شكوى وجواب شكوى التي غنتها أم كلثوم بعنوان نشيد الروح, وكذلك ديوانه جناح جبريل الذي نظمه بالعربية الشاعر زهير ظاظا, وممن نظم شعره بالعربية وليد الأعظمي والصاوي شعلان ومحمود غنيم. |
|