تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من أعلام التنوير..جمال الدين القاسمي

دين ودنيا
الجمعة 31/10/2008
ولد الشيخ أبو الفرج محمد جمال الدين بن محمد القاسمي, سنه: 1866 في دمشق, وبدأ طلب العلم صغيراً, وتفوق على أقرانه, وسلك الطريقة النقشبندية على يد الشيخ محمد الخاني شيخ الطريقة ومرجعها في ذلك الوقت.

نشأ القاسمي في بيت علم وفضل, فوالده كان فقيهاً, عالماً, أديباً غلب عليه الأدب وله كتاب غاية في الطرافة سماه ( قاموس الصناعات الشامية ) ويقول ابنه الأستاذ ظافر القاسمي ( في جو من حرمة الدين وجلاله وهداه وسلطانه ورقة الأدب وروائه وتهذيبه وصفائه..فتح عينيه على النور فأعانه هذا كله , كما أعانه تشجيع أبيه على أن ينشأ نشأة صحيحة صالحة ).‏

دعا الشيخ القاسمي إلى العلم, ونبذ التعصب والتقليد, وتصفية العقيدة مما علق بها من أفكار وفلسفات واعتقادات دخيلة, وإرجاع مجد الإسلام, ورفع شأنه, كما دعا إلى نبذ التعصب والجمود, وفتح باب الاجتهاد لمن ملك القدرة على ذلك, وكثيراً ما كان يستشهد بأقوال الأئمة الأربعة للتدليل على أفكاره, فكان يقول: ( إن من يطلع على كتب هؤلاء الأربعة رحمهم الله يرفض التقليد, لأنهم أمروا تلامذتهم بالاجتهاد, وأن لا يجعلوا كلامهم حجة) فكانت النتيجة أن اجتمعت عليه الجموع ولفقوا له تهمة خطيرة يستحق عليها السجن والتعذيب! إنها تهمة الاجتهاد, وتأسيس مذهب جديد في الدين سموه (المذهب الجمالي) وشكلوا لذلك محكمة خاصة, مثل أمامها مع لفيف من إخوانه العلماء, كان ذلك سنة 1313ه وله من العمر ثلاثون عاماً, فرد التهمة وأخلي سبيله, واعتذر إليه والي دمشق ثم كانت هذه المحنة سبباً في رفع قدره ومكانته وشهرته. يقول في كتابه الاستئناس: ( وإن الحق ليس منحصراً في قول, ولا مذهب, وقد أنعم الله على الأمة بكثرة مجتهديها ). وفي كتاب إرشاد الخلق يقول: ( وإن مراد الإصلاح العلمي بالاجتهاد ليس القيام بمذهب خاص والدعوة له على انفراد, وإنما المراد إنهاض رواد العلم, لتعرف المسائل بأدلتها ).‏

وقد بلغت آثاره العلمية نحو مائة كتاب, ومن أشهر مؤلفاته رحمه الله: محاسن التأويل وهو تفسير للقرآن الكريم, دلائل التوحيد, إصلاح المساجد من البدع والعوائد, قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث, شذرة من السيرة النبوية, رسالة الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس, كتاب المسح على الجوربين, تعطير المشام في مآثر دمشق الشام, حياة البخاري, شمس الجمال على منتخب كنز العمال, ميزان الجرح والتعديل, موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين, جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب.‏

ولاشك أن أجمل مصنفاته تفسير القرآن المسمى بمحاسن التأويل فهو من أقوى وأنفع التفاسير, قال فيه أمير البيان شكيب أرسلان وإني لأوصي جميع الناشئة الإسلامية أن تقرأ تصانيف الشيخ جمال القاسمي.‏

وقال الشيخ محمد رشيد رضا : هو علامة الشام , ونادرة الأيام , والمجدد لعلوم الإسلام , محي السنة بالعلم والعمل والتعليم والتهذيب والتأليف , وأحد حلقات الاتصال بين هدي السلف والارتقاء المدني الذي يقتضيه الزمن.‏

ومن بليغ كلام القاسمي رحمة الله تعالى عليه:‏

- الحق يصرع إذا عُمِدَ إلى إظهاره بالسباب والشتائم.‏

- أحكام الباطل مؤقتة لا ثبات لها في ذاتها, وإنما بقاؤها في نوم الحق عنها, وحكم الحق هو الثابت لذاته, فلا يغلب أنصاره ماداموا معتصمين به.‏

- التبذير في أشرف الأغراض قصد واعتدال.‏

-التقليد جذام فشا بين الناس, وأخذ يفتك فيهم فتكاً ذريعاً, بل هو مرض مريع وشلل عام وجنون ذهولي, يوقع الإنسان في الخمول والكسل.‏

- الذكاء كالشرارة الكامنة في الزناد, لا تظهر إلا بالقدح, فإذا لم تحتك الأفكار بالعلوم مات ذلك النشاط والذكاء في مكامنه وانزوى في زوايا الصدور.‏

- الكسول عجوز في شبابه, لأن دقيقة البطالة أطول من ساعة العمل.‏

- عدم تقدم الكثيرين هو من عدم محاولتهم التقدم.‏

- إن كتاباً يطبع خير من ألف داعية وخطيب, لأن الكتاب يقرؤه الموافق والمخالف.‏

عاش الشيخ القاسمي ثمانية وأربعين عاماً, ومع ذلك فقد ترك أثراً كبيراً في العلم والمعرفة, ولا شك أنه لو امتد به الزمان لكنا أمام حركة إصلاحية كبيرة قوامها رفض التقليد والدعوة إلى تحرير العقل من قيود الجمود.‏

توفي سنة 1914م ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية