تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الهروب إلى الأمام

شؤون سياسية
الجمعة 31/10/2008
علي سواحة

ما الذي تريده أميركا بعد من العراق بعد كل هذا التدمير الهائل الذي جلبته لشعبه وبعد كل هذا الشر المقيت الذي أنجزته على مدار خمس سنوات ونيف في حالة همجية لم يشهدها العالم من قبل?!.

يبدو أن أقطاب إدارة بوش وجدوا في ممارسة كل أشكال الضغط والتهديد للتوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية هو بيت القصيد لهم ولهذا نجدهم هذه الأيام يسارعون الخطا كي يتم هذا الإنجاز الأسوأ لكي يبقوا العراق في حالة أسر دائم لأطول فترة زمنية ممكنة.‏

ولو عدنا قليلاً إلى الوراء فيما حصل في العراق من دمار وخراب على أيدي الاحتلال لأدركنا حجم الجريمة بحق شعبه وأمنه واستقراره وسلمه الأهلي والاجتماعي والاقتصادي. فالجنود الأمريكان يحق لهم أن يفعلوا ما يشاؤون في العراق من قتل واغتصاب وتعذيب ضد أي عراقي أو عربي باعتبار أن هذا حقهم المزعوم في الدفاع عن النفس وحماية الديمقراطية ومكافحة الإرهاب حسب زعمهم وتبريرهم الوقح تحت هذه اليافطات أن يدمروا الشجر والحجر وينتهكوا الحرمات ويمارسوا أبشع أنواع التعذيب بحجة حماية أمنهم القومي دون أن يحق لأحد محاكمتهم لأنهم والصهاينة في فلسطين المحتلة ما زالوا إلى اليوم يعتبرون أنفسهم فوق القوانين أو الأعراف الإنسانية والدينية والأخلاقية.‏

وبمفهومهم يحق لهم أن يقسموا العراق وفلسطين ويثيروا الفتن والنعرات ويسرقوا وينهبوا دون أي محاسبة ولهم كل الحق في تقسيم العراق إلى دويلات طائفية أو دينية أو عرقية على مبدأ فرق تسد طبقاً للمعاهدة البريطانية المشؤومة (سايكس بيكو).‏

ومن خلال هذه الأرضية والمنطلق يجهد الاحتلال الأميركي بإدارته البوشية على التوقيع على الاتفاقية الأمنية التي كرست ببنودها السوداء كل تلك الأعمال الإجرامية التي سطروها بكفاءة عالية على أرض الواقع في بلاد الرافدين إلى جانب القواعد العسكرية و مراصد التجسس على طول أرض العراق وحدوده الشرقية مع إيران الغربية مع الدول العربية إضافة إلى ما تنص عليه تلك الاتفاقيات من بنود واضحة لتسليم مقدرات وثروات العراق وفي مقدمتها النفط. زد على ذلك ما تمنحه تلك الاتفاقية مع إعطاء الحق للمحتل الأميركي من تحريك أساطيله الجوية والبحرية لضرب أي أهداف في الدول المجاورة للعراق وكأنه ولاية أميركية يطبق عليها فقط القانون الفيدرالي الأميركي.‏

بموجب هذه المعاهدة الأمنية فإن أي تحرك للمقاومة الوطنية لمقارعة الاحتلال هو في تفسيرها عمل إرهابي ولواشنطن الحق بارتكاب المجازر في مقاومة هذا الإرهاب على حد زعمهم تماماً كما فعل النازيون عندما أعدموا أربعين فرنسياً من الثوار لقتلهم ضابطاً ألمانياً نازياً في باريس.‏

أيضاً في تلك المعاهدة المشؤومة خطورة أكبر من كل هذا وذاك ألا وهي جعل العراق العربي المسلم مركزاً للصراع العرقي والطائفي بغية إشعال الحروب والفتن وفقاً لمخطط مرسوم نفذه الأميركان في أكثر من منطقة في العالم على امتداد القارات من الكوريتين إلى تايوان والصين والهند ضد باكستان وفي قلب أوروبا في البوسنة ضد صربيا وجميع هذه الحالات تهدف إلى تسهيل تدخل القوات الأميركية وخلق الذرائع لذلك, كما جرى ويجري أيضاً بين كوبا وفنزويلا والأورغواي والبرازيل وغيرها من بقاع العالم.‏

إن الولايات المتحدة في اللحظة التي رأت نفسها أنها في مستنقع ووحل العراق مع ازدياد قتلاها من الجنود أدركت أنه يجب أن تهرب إلى الأمام لتحقيق ما تبقى لها معتقدة أنه في الاتفاقية الأمنية خير مخرج مشرف لها, ولكي يدخل الرئيس جورج بوش من خلالها التاريخ كمنتصر وليس كمهزوم أمام العالم وأمام شعبه خاصة وهو توقيت ملائم مع ما يواجهه بوش اليوم من أسوأ هزيمة له إذ حوّل بلاده من دائن أول للعالم إلى مدين أول في العالم يقترض من هنا وهناك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية