|
شؤون سياسية بعد أن رفضت الخضوع لما أسمته (الابتزاز) الذي مارسه حزب شاس في مفاوضاتها الائتلافية معه, الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة, يفترض أن تعقد أواخر كانون الثاني أو أواسط شباط من العام القادم وبذلك يعود إيهود أولمرت إلى صدارة الواجهة السياسية في إسرائيل, وسيبقى رئيس حكومة تصريف أعمال حتى تشكيل حكومة جديدة بعد أربعة أشهر أو أكثر قليلاً وسيواصل خلال هذه الفترة محاولاته لتحقيق إنجاز سياسي, مثل )اتفاق رف( مع الفلسطينيين, أو اتفاق مبدئي مع سورية بإعادة الجولان المحتل. جاء قرار ليفني هذا بعد أن رفض حزب اليهود الشرقيين المتدينين المتشددين الانضمام إلى حكومة تسعى رئيسة حزب )كاديما( ووزيرة الخارجية الإسرائيلية إلى تشكيلها خلفاً لحكومة كان يتولاها إيهود أولمرت. ومع ذلك فإن ليفني لم تتجاوز بعد مفترق طرق كان ينتظرها: إما تشكيل حكومة ضيقة أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في غضون تسعين يوماً من إبلاغها رئيس الدولة عجزها عن تشكيل الحكومة, والطلب منه حل الكنيست. ويستطيع بيرس نظرياً تكليف شخص آخر من كاديما أو غيرها, إما لكسب الوقت أو للحد من اندفاع الحلبة السياسية نحو انتخابات مبكرة. وكسب الوقت يعني في هذه الحالة منح الفرصة للأحزاب السياسية للاتفاق فيما بينها على مشروع قانون جديد للانتخابات. وفي هذه الحال فإن الانتخابات تجري في موعد أقصاه خمسة شهور. وكان شاس قد اتخذ قراره رفض الاشتراك في الحكومة في أعقاب استفتاء أجراه بين أعضاء مجلس حكماء التوراة( وهو الهيئة العليا في حركة شاس ومرجعيتها السياسية, وبعد أن اطلع الزعيم الروحي للحركة الحاخام عوفاديا يوسف على تفاصيل المفاوضات الائتلافية مع كاديما فيما يتعلق بمطالب شاس وخصوصاً زيادة مخصصات الأبناء في الأسر الكثيرة الأولاد. لكن محللين للشؤون الحزبية في إسرائيل يشيرون إلى سبب آخر, يرقى إلى الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها ليفني في المفاوضات الائتلافية مع شاس, يتمثل في عدم إرسالها مبعوثاً شخصياً من قبلها إلى الزعيم الروحي لشاس, مثلما فعل جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية السابقين. ووفقاً لما جاء في بيان أصدرته حركة شاس يوم الجمعة الماضي الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول فإن رفض المشاركة في الحكومة تم بعد أن أدركت أن طلباتها بشأن مساعدة الشرائح الضعيفة في المجتمع الإسرائيلي , قد ذهبت أدراج الرياح, ما يعني فتح سقف الميزانية العامة للدولة للعام 2009, وهي التي ستكون البند الرئيسي في جدول أعمال الدورة الجديدة للكنيست التي بدأت دورتها الشتوية يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي. ويعني فتح الموازنة الأخذ بمبدأ شمعون بيرس زيادة العجز في الميزانية مقابل تحقيق رفاهية الشرائح الضعيفة, وهو مطلب رفضته ليفني معلنة, في حديث مع صحيفة معاريف أنها لن تخرق الموازنة في فترة أزمة اقتصادية . وكان هدف شاس من وراء ذلك أن تكون الزيادة المطلوبة لرفع المخصصات الاجتماعية )مكسباً في جيبه في حال جرت الانتخابات في موعد مبكر . أما السبب الثاني في رفض شاس الانضمام إلى حكومة ليفني فهو موقفه من حماية القدس بعدم التفاوض مع الفلسطينيين بشكل يؤدي إلى انسحاب الاحتلال من المدينة, التي أصبحت موحدة بعد ضم القطاع الشرقي منها في حزيران عام 1967. ولئن أعلنت ليفني أنها لن تتعهد بشيء يشعل منطقة الشرق الأوسط(, فإن هذا الموقف لا يختلف كثيراً عن مواقف شاس ولاسيما أنه لم يعترض على بناء جدار الفصل العنصري داخل المدينة, كما لم تعترض عليه ليفني في الأصل, ما يعني أنه موافق ضمناً على الشكل الإسرائيلي لتقسيم القدس في أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين. ويبدو أن شاس قرر أن يركب الموجة الانتخابية ليبدو حريصاً على القدس وعلى الفقراء في آن معاً, فدخل في اتفاق مع زعيم الليكود بنيامين نتنياهو باذلاً له الوعود في تحقيق ما يصبو إليه من مساعدات مالية, وهو المعروف عنه, ومنذ كان رئيساً للحكومة في النصف الثاني من عقد التسعينيات في القرن الماضي, ولعه بالاقتصاد المعولم, ما أوقع خزينة الدولة في عجز مازالت تئن منه حتى الآن. ومع ذلك فإن الرابح الأكبر من قرار ليفني بوقف المفاوضات الائتلافية والتوجه لانتخابات مبكرة هو نتنياهو, الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه يتمتع بشعبية كبيرة وأن معسكر أحزاب اليمين سيكون القوي في الانتخابات القادمة. وإذا كان هناك من توجه بالنصيحة لليفني بالتفاهم مع حزب المتقاعدين, فليس من المتوقع أن تكون المفاوضات معه, على غير هذا الحال, لأن الحزب قائم أصلاً على القضايا الاجتماعية ولا يلوّح بأي أجندة سياسية, كالمفاوضات مع الفلسطينيين وغيرهم. وقد تكون خلفية هذا القرار وعداً أكثر إغراء, وإن كان بدون رصيد, على حد قول تسيبي ليفني, تلقاه حزب شاس من رئيس الليكود بنيامين نتنياهو, رغم تأكيد إيلي يشاي زعيم هذا الحزب عدم وجود أي تنسيق مع الليكود في هذا المجال. وقد أكدت مصادر رفيعة المستوى في الليكود هذا النفي. لكن مصادر كاديما شنت على نتنياهو هجوماً لاذعاً بأن الجمهور سيضطر إلى اتخاذ القرار إن كان يريد قيادة مسؤولة أو نتنياهو الذي وصفته المصادر بأنه )مستعد لبيع مبادئه الاقتصادية بسبب شهوته للسلطة, وفي ذلك تذكرة لمن أراد من الإسرائيليين بالأزمة الاقتصادية التي تفجرت في إسرائيل من بوابة سوق الأسهم, عندما كان نتنياهو رئيساً للحكومة في الفترة من عام 1996-1999, وكان ضالعاً في افتعالها. وفي السياق ذاته ذكرت يديعوت أحرونوت أن وزير المواصلات شاؤول موفاز )مارس ضغوطاً على شركاء محتملين من أجل قطع الطريق عليها لتأليف حكومة ضيقة, والذهاب إلى انتخابات مبكرة. أما عضو الكنيست عن حزب ميرتس )يوسي بيلين( فقد دعا ليفني إلى اتخاذ قرار جريء والتوجه إلى الكنيست, بحكومة مع غالبية نسبية, هناك من رأى أن تكون حكومة اقتصادية تتعامل مع واقع الاقتصاد الدولي الراهن, وفي الحالتين النسبية أو الاقتصادية فإنه يتعين عليها الحصول على تأييد الكتلة العربية في الكنيست من خارج الحكومة, وهو أمر يبدو صعباً إن لم يقابل هذا الدعم المرتجى بثمن يقرب عرب الداخل من إمكان اعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات, ويبدو أن هذا الاحتمال ضعيف لأن أعضاء الكتلة العربية اشتكوا من أن أحداً لم يشاورهم في شأن الحكومة المقترحة, وسواء أخذت ليفني بهذا الاقتراح أو ذلك, فإن الرهان على حكومة من طراز آخر قد تبدد, ذلك أن الإسرائيليين مازالوا أمام السياسة نفسها التي أوصلتهم إلى حد الصدمة. والثمن فقط هو الذي يمضي متصاعداً. |
|