|
مجتمع أصبح الجسم النحيف حلم كل امرأة, وبدأت نساء الكون يدرنَ في فلك واحد, وكثيرات منهن تتأثر نفسيتهن سلباً, عندما تزداد أوزانهن, وتحول الاهتمام بالرشاقة إلى هم يومي يصل أحياناً إلى درجة الهوس. فمتى ننحف..وكيف? أسئلة تكون مدار بحث ونقاش في جلساتهن, ودون أن يدرين تتحول أحاديثهن إلى أحاديث ريجيمية, وكأن الريجيم موضة, ومن لم تبدأ به, فهي تخطط له, حتى تكون مسايرة لموضة العصر. وآخر الوصفات السحرية لإنقاص الوزن, وعدد السعرات الحرارية, وأنظمة الدايت, باتت مصطلحات متداولة, كما نشطت مراكز اللياقة البدنية, وكثر الترويج للأدوية المنحفة, وتحولت أجساد بعضهن إلى مايشبه المختبرات. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا.. لماذا أصبح تفكيرنا منصباً على رشاقة أجسادنا إلى هذه الدرجة? ومتى يتحول هذا الهاجس إلى هوس غير طبيعي?.. القبول الاجتماعي لاشك أننا نعيش عصر تخفيف الوزن, وغالباً ماتتعرض المرأة البدينة للكثير من الانتقادات, بينما توجه عبارات الإعجاب والمديح, لمن تتمتع بجسد نحيف ورشيق. تقول ريما 25 عاماً - موظفة: منذ صغري وجسمي ممتلئ, أما الآن فأنا مضطرة لاتباع حمية غذائية قاسية, بالإضافة لدواء مثبط للشهية, لأخسر شيئاً من وزني, وخاصة أني أستعد لحفل زفافي, وطبعاً وأنا بهذا الشكل لن أجد فستاناً يستوعبني, صحيح أن خطيبي يبدو ظاهرياً راضياً بوضعي, ولكنه يوجه إليَّ النصائح بشكل غير مباشر, وبأنه لايجد مقاسي من الثياب الدارجة. وهنا تدخلت والدتها, قائلة: يكاد قلبي يحترق عليها, وأنا أراها بهذا الشكل, مختلفة عن بنات سنها, وتبدو أكبر من عمرها, لذلك أحاسبها على ماتأكل, وأحضها على ممارسة الرياضة لتنحف, فالمجتمع لايتقبل عروساً سمينة, وستكون موضع سخرية وانتقاد في عرسها, إن بقيت على حالها. وبما أننا مجتمع يتدخل بكل شاردة وواردة, فكثيراً مانوجه أسئلة ملغومة ومبطنة لمن حولنا, ونفرض عليهم قناعاتنا. تقول رانيا 32 سنة - ربة منزل: كثيراً ماأتفادى الخروج من البيت أو حضور المناسبات الاجتماعية, عندما يزداد وزني, رغم أنه يبقى ضمن الحدود المعقولة, وأول سؤال أسمعه بعد, كيف حالك? هل زاد وزنك? كأنك كنت أنحف!! انتبهي لنفسك!! وهنا تنهال النصائح من قبل الصديقات والقريبات. حول أسرع الطرق لإنقاص الوزن, وهذا يزيدني إحباطاً, وكرهاً لنفسي, وعدم الرغبة بالنظر إلى المرآة, أو حتى شراء الملابس, مايضطرني للامتناع عن الطعام, لأرضي الناس قبل إرضاء نفسي. تلبية لرغبة الزوج وفي سعي المرأة للرشاقة, تضع نصب عينيها, نيل إعجاب الرجال, وخاصة رضا الزوج. تقول السيدة منى - 35 سنة: اكتسبت بعد الولادة وزناً زائداً, وبدأ جسمي يميل للبدانة, وصرت أحاول إخفاء عيوبه بالتحايل بالملابس ذات الألوان الداكنة والواسعة, وهذا لم يعجب زوجي, الذي سارع إلى جلب جهاز اللياقة البدنية, لأمارس الرياضة في البيت, في البداية وجدت صعوبة, لأن وزني ظل يراوح مكانه, فأصبت بالكآبة, ولكنني بالإرادة والتصميم على نيل إعجاب زوجي, وصلت إلى وزن يماثل عارضات الأزياء, ونجمات الفيديو كليب, ولكن بعد جهد وتعب وجوع. زاد عن حده فانقلب إلى ضده تلجأ بعض الفتيات وخاصة المراهقات, إلى حرمان أنفسهن من ملذات الحياة, بل ومن مواد غذائية تكون ضرورية للجسم, كل ذلك من أجل إبهار الآخرين بنحافتهن, وعندها يقعن بالمحظور, فكل شيء زاد عن حده ينقلب إلى ضده, وهذا ماحصل مع ندى - 16 عاماً, فرغم أن وزنها بحدوده الطبيعية, ومع ذلك اتبعت نظام ريجيم قاسياً, وأصبح هاجسها اليومي الميزان, وحساب السعرات الحرارية, وبعد ثلاثة أشهر تدهورت حالتها النفسية والجسدية, وراجعت العيادة النفسية لإصابتها بما يشبه فصام الشخصية, ومازالت حتى الآن تتلقى العلاج. تكريس الصورة النمطية عبر وسائل الإعلام وللوقوف على الأسباب النفسية التي تدفع بالمرأة للهوس بالنحافة والرشاقة, التقينا الدكتور جلال الدين شربا - الاختصاصي بالطب النفسي, الذي أرجع هذا الهوس إلى الانتشار الواسع للإعلام وخاصة الفضائيات والمجلات التي تفرد حيزاً واسعاً للدعاية والبحث في مواضيع تثير الاهتمام بهذه الناحية, وتجذب شرائح واسعة من المجتمع, بالإضافة إلى سعي الشركات التجارية لتحقيق الربح بأي وسيلة, فبدأت تشكل رأياً عاماً ضاغطاً من جهة ومرغباً من جهة أخرى, حول مفاهيم الجمال والرشاقة والجاذبية, مستخدمة في ذلك صور مشاهير الفن من ممثلات ومطربات وسيدات مجتمع, حتى ترسخ الصورة النمطية لكل فتاة وسيدة, أن شكلها وقوامها, ينبغي أن يكون ضمن هذه المقاييس. ويتابع د, شربا القول: كل هذا ساهم في إقحامنا بعالم من المقارنات وبشكل فاضح ولا إرادي, فنجد أنفسنا نقارن بين رموز الجمال هذه وبين أنفسنا, وهذا ماجعل النساء يبحثن عن وسائل تخفيف الوزن, وأصبح موضوع النحافة همّاً يومياً يطغى على كل الاهتمامات والواجبات اليومية, فانتشرت الحبوب المنحفة وأصبح تناولها يتم بشكل عشوائي, وبدون وصفة طبية تراعي كل حالة ومتطلباتها, فكثير من هذه الأدوية لها أعراض جانبية تؤثر على الصحة, ومن ملاحظاتي في عملي الطبي, أن هناك فتيات وصلن إلى العيادة النفسية بعد تناول هذه الحبوب, التي تفقد الإنسان الشهية للطعام, أو تحرق الدهون, فهناك أدوية تخفف الوزن, ولكنها في المقابل تؤدي إلى التوتر الشديد, واضطراب النوم والأرق والرجفان والصداع والآلام البطنية والإعياء, وصولاً إلى حالات القلق الشديد والاكتئاب, الذي يقود أحياناً إلى الانتحار. المرأة الناضجة تهتم بجسدها دون مبالغة ويخلص د. شربا بالقول:إن هذا الهوس اللامنطقي يرتبط بشخصية غير ناضجة, وليس لديها توازن ولاتعرف أهدافها, والجسد بالنسبة لها هو الأساس في حياتها, وتظن إن كانت نحيفة وذات قوام رشيق, ستكون محط إعجاب واهتمام المحيط, والمرأة الناضجة في الجانب العملي, بالإمكان أن تهتم بجسدها ولكن دون مبالغة أو تطرف. ويشير إلى ارتباط الصحة النفسية بالصحة الجسدية, لذا يجب عدم خسارة الحالة النفسية المتوازنة في سبيل انقاص عدة كيلو غرامات من الوزن, إن لم يكن هناك ضرورة. |
|