تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


( خصوصيات دمشقية)

معاً على الطريق
الجمعة 31/10/2008
قمر كيلاني

الخصوصيات الدمشقية ما أكثرها.. تتجلى في الأفراد.. وتتفرع في الحرف والمهن وفي الفنون أيضا, أعداد كثيرة من الدمشقيين منذ أزمان بعيدة وحتى الآن ربما استهوتهم فنون أو مؤلفات وحتى مذكرات, فرصدوها في كتب متميزة ليست سياقا ولا نهرا, وإنما هي السواقي والروافد.. وفي نسبة أقل الفنون الجميلة من تصوير ونحت وتشكيل ولو كان من الطين.

ولعل أبرز هذه الظواهر الخصوصية التي تبدو واضحة ومستمرة هي الخط العربي, صحيح أن الخط العربي تشعب إلى أنواع, وأعطيت له أسماء, وانتسب إلى بعض المدن أو الأقطار, وانهمر فوق بلاد المسلمين كالأمطار لأن الكتب كانت تنسخ ويتداولونها وربما تكبدوا من أجلها الأسفار.. لكنه أي هذا الخط ظل راسخا ثابتا كالبنيان على مر الزمان.‏

وبما أن دمشق كانت منارة العواصم التي يقصدها العلماء والفقهاء فقد كان لها مع الخط العربي تاريخ وآلاء.. حتى إنه في عصور متأخرة ظهرت مدرسة للخط العربي هي المدرسة (الجمقمقية) نسبة إلى أحد المماليك وهو (جمقمق), وكان لها بناء خاص إلى جوار قبر صلاح الدين الأيوبي.. فأصبحت هذه المدرسة مقصودة ليس من البلدان العربية أو الإسلامية بل حتى من الهند والسند وكل من يريد أن يتعلم نسخ القرآن.‏

وبما أن القصة طويلة عبر قرون فإن هذه الخصوصية ظلت مستمرة ولو أنها تقلصت بعد ظهور الطباعة وطوفانات الكتب.. ولا تزال حتى الآن تبرق من خلال الزمن في تلك اللوحات الجميلة المطرزة بخيوط الذهب والفضة, أو المحفورة على الخشب, أو المنقوشة بالصدف وهي تشير في أسواق دمشق, وتزين بيوتها وربما دكاكينها في لوحات يفاخرون بها أمام الزوار.‏

أما الخصوصية الثانية فهي الزجاج الدمشقي الذي بقيت سلافته في كأس المهن اليدوية حتى الآن رغم التفوق المذهل لصناعات الكؤوس والأباريق والصحون والقماقم الخ... فتتشكل هذه النماذج أمام ناظري السائح أو المشاهد فيعجب لهذه الصنعة الرهيفة التي تجعل في لمحات من المصهور ما هو باسم دمشق ممهور.. فتكون تلك الزجاجات الزرقاء أو الخضراء أو الشفافة بلون الماء.. ولعل بعض الفنانين تستهويهم حتى الآن هذه الصناعة فيضيفون إليها سحرا من رسومهم وإبداعاتهم.‏

وماذا أقول عن هذه الحبات الدقيقة الملونة كحبات الرمال الأسطورية وهي (الخرز)?.. لقد أولع الدمشقيون قديما بهذه الصناعة فجعلوا منها الأساور والعقود, ومحفظات النقود, ووزعوا ألوانها في الثريات والقناديل والمصابيح حتى بعد الغزو الكبير والهائل للصناعة الأجنبية.. وكأن كل منتج من هذه (الخرزيات) هو تحفة من الآباء إلى الأبناء, وتدخل في جهاز العرائس وزينة البنات.‏

وكم يطيب لي أن أتغلفل في روح دمشق.. وشرايين دمشق.. وأتلمس ما فيها من خصوصيات جميلة إلى حد الإبهار تشكل نموذجا للتطور والابتكار.. دون أن أنسى خصوصية صناعة السيوف الدمشقية التي لم يعرفوا لها سرا.. وصناعة الآلات الموسيقية كالعود والمزاهر وغيرها معبرة عن كل مناسبة دينية أو احتفالية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية