تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رحيل الكاتب الفارو موتيس.. وأثر سنوات السجن على أعماله

عن مجلة لو نوفيل ابزرفاتور
فضاءات ثقافية
الثلاثاء 1-10-2013
ترجمة: دلال ابراهيم

حالما نسمع اسم كاتب كولومبي على الفور يقفز إلى فكرنا اسم الكاتب غارسيا ماركيز. ولا أحد يخطر في باله صديقه الكاتب الفارو موتيس, الذي وافاه الأجل في الثاني والعشرين من شهر أيلول الحالي عن عمر يناهز التسعين عاماً.

ولد الكاتب الفارو موتيس في العاصمة الكولومبية بوغوتا عام 1923 واستقر في المكسيك منذ عام 1956. وأمضى موتيس, نجل أحد الدبلوماسيين, جزءاً كبيراً من طفولته يتنقل بين فرنسا وبلجيكا لغاية عام 1932. ولكن ثمة تساؤلاً مشروعاً: هل هذا الأسلوب من حياة الشباب يكفي لدفع الإنسان إلى المضي خطوات نحو الأمام ؟‏

علماً أن موتيس لم يتوقف عن السفر والترحال لأنه استلم فيما بعد منصباً مسؤولاً في شركة ستاندارد اويل. وبالتالي فقد كانت أعماله تتبع أثره. ويمكن تحديد ذلك من خلال قراءة بضع صفحات من روايته (ايلونا تأتي مع المطر) على سبيل المثال, حيث يذكر فيها العشرات من المواقع الجغرافية من تريست إلى مقدونيا مروراً ببولونيا, أمطار فلاندرز في مرتفعات الأنديز, ومن قبرص إلى جزيرة مان, قاعة انتظار في بريطانيا ومن ثم الرباط وجنيف واليكانت, البيرو, اوسلو, جنوب أفريقيا ومن ثم أرملة يلتقيها في جزر الكناري وأخيراً في بنما.‏

لا يوجد رحلة أسرع من الرحلة على متن الأدب, يكفي أن نقلب الصفحة. وموتيس يتعامل مع الأمكنة مثلما يتعامل مع الشخصيات, وأسلوبه في إدراجهم في القصة يجعل لصفاتهم صدى كبيراً ويحرر أجواءهم.‏

ولا تعتبر كتابة الرواية والقصة الحب الأول لمؤلف رواية (آخر ميناء لترامب ستيمر) ورواية (عبده بشور, حالم السفن)- مترجمة إلى العربية- ورواية (موعد في بيرجن) بل إن الشعر الذي قرضه منذ السادسة عشرة من عمره والذي جمعه عام 1953 في ديوان (عناصر الكارثة) لم يكفه, في الظاهر لإفراغ كل ما كان يقوله. لينتقل فيما بعد حين واتته الفرصة المناسبة لكتابة الرواية التي توجته ملكاً للعديد من الجوائز الأدبية منها جائزة الآداب الكولومبية (1974) وجائزة سرفانتيس (2011) مروراً بجائزة ميدسيس الفرنسية للآداب الأجنبية (1989) عن روايته (ثلج الأميرال).‏

ويبدو أن عنصراً آخر في سيرته الذاتية كان له ثقله في التحول الذي حصل للكاتب موتيس وجعله يختار شخصية ميغرول الغابييه, البحار المغامر بطلاً لجميع رواياته, وهذا العنصر كان توقيفه من قبل منظمة الإنتربول الدولي خلال أعوام الخمسينات وسجنه لمدة خمسة عشر شهراً. وهذا ما باح به الفارو موتيس إلى الصحفية لدى مجلة نوفيل اوبزرفاتور كاترين ديفيد عام 1994, حيث يقول: «بصفتي كنت رئيساً للعلاقات العامة في شركة ستاندارد اويل, وكان تحت تصرفي ميزانية هائلة ومعقدة, كنت أقوم بتحويل مبالغ كبيرة إلى فاعلي الخير ومؤسسات خيرية, لأني وجدتها الطريقة الوحيدة لمساعدة أصدقائي الذين يخوضون نضالاً ضد الديكتاتوريات العسكرية. وفي أحد الأيام أصابتني الدهشة عندما علمت أنني ارتكبت جريمة خطيرة. ونصحني أحد أصدقائي المحامين بالهرب قائلاً: «في حال لم تغادر في غضون 24 ساعة سيزجونك في السجن»! طرت إلى مكسيكو, حيث استقبلني صديقاي اوكتافيو باز, وكارلوس فوينتس. ووجدت نفسي خلف القضبان في أحد السجون المكسيكية لأن الحكومة العسكرية في بلادي طالبت بترحيلي. وفيما بعد جرى الإطاحة بالحكومة العسكرية الكولومبية, وقام أصدقائي في الحكومة الجديدة بإلغاء الدعوى المقامة ضدي.‏

وقد أتاح لي السجن الفرصة لأضفي على شخصية ميغرول الغابييه وجوداً إنسانياً. في البداية, تغيرت الأنا لديه واكتسب المزيد من الخبرة. لقد كان أكبر سناً مني. كتبت قصيدة عن خيبة أمل مريرة. من جهة أخرى أنا لا أؤمن بالأمل. الأمل هو الذي يسبب الألم. إن الإقامة في السجن لمدة خمسة عشر شهراً كانت مهمة ولكن غير حاسمة. كنت في عمر 33 عاماً أمتلك فلسفة شخصية عن الحياة. وفي السجن كنت محللاً نفسياً وهذا بالطبع هو الذي مهر أعمالي. وفي السجن, كما في الحرب, كل أكذوبة أو وهم ينتهي, ووحدها الحقيقة هي التي تسطع.‏

أنتمي إلى عائلة كريمة ومثقفة وغنية, وهذا يعتبر من أمور الحياة العادية. ولكن ما يحدث هو حقيقي, الطين من الخنادق والرصاص الذي ينهمر وبطاقتي لا تغير شيئاً إن كنت أكثر خوفاً من المزارع المجاور لي. أنا لست بطلاً. غالباً ما كنت أهدر المال. لم أنهِ دراستي, كنت أتنقل بين البلياردو والقصائد. ولدت لدى عائلة من مزارعي البن. وفي هذا المحيط يعيش المرء دوماً مليونيراً ويموت فقيراً. أهلي سافروا إلى أوروبا, إلى بلجيكا وفرنسا بالتحديد. وعندما كنت في الثانية عشرة من عمري أبحرت بقاربي إلى حوض اللوكسمبورغ. وتعرفت على مدن كثيرة ولكن تبقى باريس مختلفة, إنها المدينة الفريدة.».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية