|
الثلاثاء 1-10-2013 لكن ذلك لا يمنع من القول إن رافي قد كتب عملاً ذا نكهة محلية خالصة، وصاغ شخصيات تشبه إلى حد التطابق أشخاصاً يعيشون بيننا، ونعرفهم حق المعرفة.. معظم الاستبيانات المتعلقة بدراما الموسم الرمضاني الماضي وضعت (سنعود بعد قليل) في المرتبة الأولى، أو بجوارها على الأقل، ويرجع الفضل في ذلك أولاً إلى النص المحبوك بتماسك،وقد استطاع بأقل قدر من الحوار سرد سلسلة من الأحداث المشوقة، في إطار حكاية بسيطة عن أب يقرر القيام بزيارة مفاجئة لأبنائه الستة المقيمين في بلد آخر للاطمئنان على أحوالهم. ولكن رافي لم يكتف بما يمكن أن تصنعه الحالات الست المتباينة من مفارقات ومواقف غير متوقعة، وإنما جعل الحكاية بأكملها تدور على خلفية الواقع السوري الراهن، بما يحفل به من أحداث لم تكن مألوفة، أو مسبوقة، ومواقف متعارضة لحد العداء،متجنباً تقديم موقفه ككاتب بشكل مباشر، وإنما عبر أبطال حكايته الذين تركهم أمناء لشخصياتهم يحدد كل منهم رأيه وموقفه، بما يتيح تلمس موقف الكاتب في إطار إحدى الشخصيات، مثل شخصية الفنان التشكيلي التي تقمصها كممثل في العمل، والأرجح: في إطار شخصية الأب، الشخصية المحورية في العمل.. ويعود الفضل ثانياً في نجاح المسلسل إلى مخرجه الليث حجو الذي عرف بداية كيف يلتقط النص المتقن ويقترح له معادلاً بصرياً مكافئاً، والذي عرف أيضاً كيف ينتقي ممثليه فجاء كل واحد منهم منسجماً إلى أقصى الحدود مع الشخصية التي تقمصها، بمن في ذلك الممثلون الذي قاموا بأدوار قصيرة، أو ثانوية.وقد أجابت مجموعة الممثلين تلك عن سؤال رافق أخبار العمل الأولى عن سر اختياره لعدد من الممثلين اللبنانيين في حين تحفل الدراما السورية بالممثلين المتميزين.. نجح الليث حجو في جعل العمل مشوقاً وممتعاً رغم مأساوية الواقع الذي تجري الأحداث على خلفيته، بفضل رشاقة السيناريو، وسحر الكاميرا، فكانت العناية بمفردات الصورة جلية، وأمينة لما يمكن أن نصفه بالأسلوب السوري في الصورة الدرامية التلفزيونية، وهو بعض سر نجاح هذه الدراما وتألقها وتميزها، فكل لقطة في المسلسل تكاد تكون لوحة بالمفهوم التشكيلي لجهة بنائها وتوازن الألوان والظلال فيها،.وكانت الصورة بالمجمل حاملاً أنيقاً للحدث الذي تقدمه، خاصة إذا أضفنا إلى ما سبق دلالاتها التعبيرية.وقد سمحت براعة المخرج وخبرته المتنامية أن يتجنب الخفة في تقديم الأحداث، في الوقت ذاته الذي نجح في خلق الكثير من الترقب لدى المشاهد،والمفاجآت المتقنة عبر لعبة إخراجية ذكية.. وصاحب الفضل الثالث،أو أصحاب الفضل، في نجاح العمل هم بطبيعة الحال مجموعة الممثلين يتقدمهم الفنان القدير دريد لحام، فقد عرف كل واحد منهم السبيل إلى تقمص الشخصية التي قدمها، حتى في أصغر الأدوار، ودون أي شكل من أشكال التعصب أقول إن مجموعة الممثلين اللبنانيين في هذا العمل كانت في أحسن أحوالها، وقد قدم المسلسل معظمهم بأفضل مما قدمتهم أعمالهم السابقة جميعاً، وخاصة بيار داغر ونادين الراسي، وغيدا نوري التي أدت دور الابنة الصغرى. أما السوريون فقد حافظوا على المستوى المتطور الذي قدمتهم به مسلسلاتهم، ولكن هذا لا يمنع من إشارة خاصة إلى قصي خولي الذي كان له حضور جاذب ومؤثر، وجابر جوخدار الذي لم ينل حتى اليوم ما يتناسب مع موهبته، والممثلة الشابة دانا مارديني التي أدهشت بأدائها العفوي الجميل والسلس والمقنع. ولكن الإشارة الأكبر، والإشادة الأميز هي من حق الفنان دريد لحام الذي أثبت وهو في الثمانين من عمره أنه لا يزال يملك قدرة استثنائية على التطور وتقديم الجديد الممتع، فتقمص شخصية الأب الحنون المحب بكل تفاصيلها الإنسانية.. فعرف أبو سامي، خبير الموزاييك البارع، كيف يكون ضمير الشعب.. WWW.facebook.com/saad.alkassem |
|