تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تدمر واستراتيجية الدولة القوية

دراسات
الأربعاء 30-3-2016
بقلم الدكتور فايز عز الدين

تدمر أيقونة التاريخ تستعاد اليوم من الإرهاب الداعشي الذي أسسته أميركا، وما زالت ترعاه حتى يومنا هذا، ومن الطبيعي أن تُظهر قوى الغرب التي خططت لتدمير سورية غبطة مفتعلة لتحرير تدمر باعتبارها أهم أوابد التراث العالمي،

لكن هذا التظاهر المزيّف لم يعد ينطلي على المجتمع الدولي من منظور أن الذي صار «داعش» يضرب بأرضه، ويقتل مدنييه كيف لا يؤيد دعوة سورية, وروسيا، وإيران من أجل تشكيل تحالف عالمي يعمل جبهة واحدة للقضاء على هذه الآفة الوهابية التكفيرية؟!!. ثم من يدّعي الحرص على الحل السياسي في سورية، وأن ا لحل العسكري يبدو بعد السنوات الخمس مستحيلاً كيف يرفض ويلقّن أدواته أن لا تكون محاربة الإرهاب على الأرض السورية قاسماً مشتركاً مع الدولة التي يعترف بالحل السياسي معها؟!! وكذلك من يدّعي أن الدولة السورية تقصف المدنيين بالبراميل المتفجرة لماذا لا ينهي قصة خروقات المجموعات الإرهابية لوقف الأعمال العدائية، بل يتجاهل تنفيذ مضمون القرار 2253 حتى يبدو متواطئاً مع داعمي الإرهاب في المنطقة ورعاته أمثال: السعودية، وقطر، وإسرائيل، وأردوغان؟ كما إن الذي يعطي الأوامر لمن يشغله بأن يشاركوا في جنيف3 على أساس القرار 2254 ومتدرجات هذا القرار مبنيةٌ على توافقات فيينا واحد واثنين، كيف يشترط صيغة تعود بالحوار إلى بنود جنيف واحد، وقد تجاوزت أرض الميدان العسكري هذا الأمر، لتبدو المجموعة التي تشغلها السعودية وكأنها الوكيل الحصري للحوار مع الدولة؟ والمعارضات الباقية إن من الداخل، أو من القاهرة، أو أوروبا، أو روسيا لا تملك عضوية أصيلة في المشاركة ولو بدا هذا الحال إقصاءً لكن الحلف المعادي لسورية يقوم بتغطية هذه الوكالة. وكأن الذي رُسمَتْ له الوظائف في مؤتمر الرياض وأطلقوا عليه: الهيئة الانتقالية العليا هو صاحب الشأن الوحيد في المسألة السورية عموماً، وذهابه إلى جنيف3 فقط من أجل أن يقوم المبعوث الدولي بتسليمه السلطة بالسياسة بعد أن عجز أن يأخذ أي شيء بالحرب والتدمير الإرهابي؟!!. وفي النهاية كيف تصرُّ القرارات الدولية ذات الصلة بالحل السياسي للمسألة السورية على علمانية الدولة السورية، وعلى الحفاظ على الوحدة الجغرافية، والديمغرافية فيها، ويأتي المشتغلون عند الأجنبي ليقولوا خلاف ذلك بل ليطرحوا الفيدرالية التي لم توافق عليها الدول العظمى صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن؟!! إن الطروحات التي يتلقّنها المدّعون بالمعارضة من مشغليهم لا تنمُّ عن رغبة صادقة في خدمة الحل السياسي، وبذل الجهود المطلوبة للوصول إليه بمقدار ما يحاولون أن يفعلوا ما يستطيعون لعرقلة أي حل باعتبارهم ينهزمون، وإرهابيوهم على أرض سورية، والمهزوم تسقط أوراقه على الطاولة. ومن المعروف أن الدولة السورية، وهي تمتلك المبادرة العسكرية الاستراتيجية على الأرض، كانت تفاجئ المعارضات عند كل جولة محادثات في جنيف بتحرير منطقة مهمةٍ، أو مدينةٍ بما يشعر معه المشتغلون عند الغير بالإحباط وبعدم القدرة على بدء الحوار طالما أن الأوراق القوية هي بيد الدولة، وهم ما استطاعوا أن يعملوا شيئاً يجعل لهم كلمة محترمة عند الدول الراعية للحوار، وعند المبعوث الدولي، وأول ما يلزم وحدتهم كمعارضات، أو منطقهم الذي مطلوب منه أن يُقنع الشعب في سورية بأن مشاركتهم في الحكم ستأتي بالتطور، والتقدم للبلد الذي ينتظر إعادة الإعمار بفارغ الصبر. نعم لقد افتضح أمرهم بشكل كامل في جنيف3، ولذا فقد كانت زيارة كيري وزير خارجية أميركا لموسكو ضرورية حتى توضع الحيثيات الحاسمة للخروج من الأزمة خاصة حين صار الإرهاب يتمدد، ويضرب أينما أراد، ولم تعد قصة الربيع وأضاليلها واردة، وبصورة خاصة في سورية حيث اتضح أن برامج الإرهاب المتنطع لإدارة الدولة السورية - بدءاً من رفض الدولة العلمانية، وطرح الفيدرالية - عبءٌ على السياسات الأميركية، والأوروبية، وأصبحنا نرى كثافة الوفود القادمة إلى سورية من أوروبا، وفرنسا الضالعة بسفك الدم السوري حيث استقبل السيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً وفد البرلمانيين، والباحثين، والإعلاميين القادم من أجل استجلاء الحقائق على الأرض، وتفنيد مزاعم الإعلام الغربي، والأعرابي حول حقيقة ما يجري في سورية. ومن الجميل أن يكون تحرير تدمر أثناء وجود الوفد الفرنسي في بلدنا حتى يساعد أعضاؤه على تصحيح سياسات حكومات بعض الدول ومنها فرنسا تجاه سورية كما قال لهم السيد الرئيس في استقبالهم. ووفقاً لهذا التطور المهم في الميدان كانت بلدنا حريصة، وما زالت على عدم تمكين حلف الأعداء من الوصول بنا إلى أي فراغ دستوري، ولذا فقد حدّدتْ موعد انتخابات مجلس الشعب كاستحقاق دستوري بغض النظر عما تراه الأمم المتحدة، أو الدول الراعية للإرهاب التي تريد إضفاء صفة الدولة الفاشلة على دولتنا، وهذا ما تقصر همّتهم دوماً، فيه، فالدولة مع شعبها، وجيشها تسطّر كل يوم نصراً على الحلف الدولي الذي يشن عليها الحرب الإرهابية، وبعد مجازر بروكسل لداعش صار التململ الأوروبي عند الشعب يضع الحكومات أمام واجب العلاقة مع الدولة السورية المؤهلة مع جيشها وحلفائها لتصفية الإرهاب فيها، ومنع تمدّده إلى جغرافية العالم. وإذا كان الغرب الذي بدأ يكشف مَنْ وراء داعش كما يتم فضحه الآن أثناء النشاط الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية، لم يعد قادراً على إخفاء الحقائق باعتباره المتأذي أولاً من سياساته التي افتقدت أخلاقياتها، فإن الزمن القادم إلى جنيف الجديد سيشهد تحولاً كبيراً في التعاطي مع الحل السياسي، والطريقة التي هنّأ بها الرئيس بوتين بتحرير تدمر، وأوامره لوزارة الدفاع عنده بمساعدة الجيش السوري في نزع الألغام من مدينة تدمر، وشكر السيد الرئيس بشار الأسد لحجم المساعدة الجوية الروسية؛ كل ذلك يعطينا القناعة بأنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وقابل الأيام يحمل معه بشائره.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية