|
ثقافـــــــة وقد استجابت شريحة واسعة من أدباء إفريقيا الاستوائية لهذا النداء فراحت توقظ تراثها وحضارتها من سبات عميق وتوقفت عند الأدب الشفهي لتلك المنطقة وعند الحياة الرعوية في تلك البقاع وعند دور السحرة والرواة معتمدة أحياناً على الأسلوب الغربي في تدوين وحبك أحداث الروايات مؤكدة على أصالة الموروث الشعبي سواءً في النثر أم في نظم الشعر كما سجل شاعر الزنوجية الأول ليوبولد سنغور في رائعته «صلاة إلى الأقنعة» يقول: نحن رجال الرقصات الفولكلورية تستمد أقدامنا قوتها حين تضرب الأرض الصلبة. لقد كشفت تلك الرحلة الأدبية إلى عوالم الثقافة الإفريقية عن وجه أبطال أسطوريين مثل شاكا وسونجاتا وغيرهم وعن مجتمعات إقطاعية لامبراطوريات إفريقية مضت وتعتبر «قصص أحمدو كومبا» النموذج الأكمل لتلك النهضة الأدبية في المنطقة، كذلك الأمر بالنسبة لرواية «الطفل الأسمر» لصاحبها كامارالاي وتكاد تكون تسجيلات لسيرة الأديب الذاتية في مجتمع ريفي بامتياز تصف مواسم الزراعة وتكريم الأجداد وحكماء القرية ولم تتوان أعمال فضحت الممارسات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية عن تعرية مثالب المستوطنين البيض الذين حلوا في الديار الإفريقية واستباحوا ثرواتها وأهلها، فها هو أديب مالي «سيدو باديان» ينشر ثلاث روايات: «في قلب الإعصار» و«دم الأقنعة» و«أعراس مقدسة» في دور نشر فرنسية كما يؤرخ لمرحلة ما قبل استقلال دول إفريقية في كتاب عنوانه «شموس الاستقلال» وقد سار على خطاه أحمدو كوني في كتابه «عند عتبة اللاواقع» يتطرق فيه لدور السحرة عند القبائل الإفريقية التقليدية ويشبه عدداً منهم بمصاصي الدماء بينما يقف إلى جانب مجموعة تمارس الطب الشعبي، تنجح أحياناً في معالجة الأمراض بواسطة الأعشاب. ومن الدراسين أيضاً للتراث والتقاليد الإفريقية من مالي أيضاً أحمدو كروما الذي ترجم قصص وأساطير اللغة المالنكية إلى الفرنسية. ويعتمد عدد من الأدباء في أعمالهم على لغة هي خليط من الألفاظ المحلية الدخيلة المقتبسة عن الإنكليزية والفرنسية وبينما يطالب فرانز فانون صاحب «المعذبون في الأرض» بالابتعاد عن طروحات الزنوجية باعتبارها فلكلور الشعوب الإفريقية يلح الكاتب ريمي فعومو في كتابه «إفريقيا» على لسان بطل روايته تلك على أن تاريخ تلك الشعوب لا يزال غامضاً مقدساً رغم حضوره المستمر، وأنه غير واقعي وغير مادي علماً أن كل شعرة من رأس أجدادنا تفوح منها رائحة هذا الغموض وهذه الأصالة كما يقول فعومو. الكاتب سمبيز عثمان يرى أن من أبرز السيئات في تلك المناطق تبجيل السحرة، وذلك في مقدمة كتابه «فيهي كيوسان» والعنوان لقب ساحر يتمسك بالخرافات ويجلب سوء الفأل، كذلك يدين الأديب أدياني من ساحل العاج في روايته «بطاقة الهوية» اعتماد عدد من الدجالين على أجندة «الآغني» وهي قبائل تعيش في تلك البلاد ويدعى بطل الرواية ميليدهان وهو يمارس طقوساً تعود للقرون الوسطى، ويلجأ عدد كبير من هؤلاء الأدباء إلى الغرائبية في تصوير أحداث رواياتهم كما فعل «تيرنو مونينمبو» في روايته الهامة «ضفادع الغابات» وفي «الزنجي العجوز والميدالية». وكان التغيير قد طرأ على أسلوب السرد الروائي في تلك الأعمال مع غياب الراوي، الذي يتبوأ بطولة الرواية الكلاسيكية الإفريقية ويتكلم باستمرار بصفة الغائب، في حين دخلت شخصية المتكلم أو المخاطب على أعمال «سمبيز عثمان» مثلاً أو فريديناند أو يونو إلى جانب المونولوجات، وحتى مقتطفات من روائع الأدب العالمي كما فعل هنري لوبيز في «المبكي الضاحك» وتناهض تلك الفئة من الأدباء الحياة الاستهلاكية التي غزت المجتمعات الاستوائية في القارة السمراء ثم جاء الابتكار على صعيد الأسلوب اللغوي بتداخل العناصر الروائية فيما بينها. سير ذاتية ومذكرات واعترافات مع اقتحام أحلام وكوابيس وهلوسات لعالم أدب زنوجي من الطراز الأول حافظ على خصوصيته. |
|