|
ثقافـــــــة الذي انتهت فيه المدارس الفنية الغربية منذ اكثر من مئة عام، مما ساهم ويساهم في هيمنة حالة من الرتابة والضياع في موجة المعارض الفنية المحلية، التي كانت ولا تزال تقام كحركة دون بركة أو كصورة استعراضية وسطحية لما هو بائد في الغرب الأوروبي ( على الرغم من وجود بعض الحالات الاستثنائية والنادرة). والنقص الكبير في حياتنا الفنية والثقافية لا يكمن في غياب النقد، وإنما يكمن في غياب المتابعة، لما يكتب وينشر، وخاصة من قبل الفنانين أنفسهم الذين يطلقون الأحكام العشوائية، دون تمييز أو تفريق. هكذا نرى من وقت إلى آخر فناناً يصب نقمته على النقاد بلا تمييز، مع العلم أنه لا يقرأ ولا يتابع ولا يكتب شيئاً مما ينشر لاعن الفن التشكيلي ولا عن غيره. فهل يحق لمن لايقدم المقالة النقدية البديلة والقادرة على تحقيق عناصر الدهشة والإقناع، ان يعترض على وجود النقد والنقاد. وهل يستطيع أحد من الذين يتحدثون عن غياب النقد، ان يكتب جملة نقدية واحدة، دون ان يقع في عدة أخطاء ومغالطات وتناقضات. ثم أليس من الأفضل على الذين يرددون العبارات الجاهزة عن غياب النقد، ان يتحدثوا عن الكتب التزويرية التي صدرت في الاعوام الاخيرة وغيبتهم، كما غيبت مئة فنان وفنانة، بعضهم من كبار رواد الحداثة، ويصوبوا لنا عشرات الأخطاء والمغالطات الواردة فيها، بدلاً من الاحتماء وراء الشعارات المتوارثة والفارغة، أليس من الأفضل الحديث عن أزمة التغريب الفني ( والاستغراب الذي يقابل الاستشراق) والأمية البصرية التي تطال حتى بعض الفنانين التشكيليين، التي تطغى على أحاديثهم وحواراتهم وأعمالهم الفنية النزعة الأدبية، التي تؤكد جهلهم بأبسط المفاهيم والمصطلحات الفنية التشكيلية. أليس من الأفضل الاعتراف بعدم متابعة ما ينشر، والمساهمة في إيجاد مخرج من أزمة القراءة وأزمة الثقافة وأزمة الإبداع. محمد أسعد سموقان: المتابعات معدومة وبعض الفنانين يعترفون بذلك لإلقاء أضواء ميدانية جديدة على حالات الالتباس القائمة بين الفن والنقد تحدث الفنان التشكيلي محمد أسعد سموقان إلينا قائلاً: في المشهد التشكيلي السوري,هناك لوحة وهناك نقد تشكيلي،وهناك أديب وناقد،صحيح أن الفن يأتي أولا ومن بعده النقد،وهناك ما يسمى بالكتابة الصحفية،بلغة بسيطة تكون موجه للقارئ مهما كان،والدراسة النقدية الجادة تكون بالتحليل الإجمالي لما يسمى بالنص التشكيلي،وقد يتضمن تجربة الفنان بالكامل،حيث يتضح التحليل العلمي والعملي, على صعيد الشكل والدلالة أو مجموع الدلالات التي من الممكن أن تتخذها اللوحة. الفنان الجاد هو الذي تكون له بصمة خاصة يتميز فيها بشخصيته من خلال التفرد بصيغة وتكنيك معيّن يتطور باستمرار، وعلى الناقد أن يتابع تجربة الفنان بكافة تطورها، وهذا الفعل هو موجود في المشهد النقدي للعمل الفني في سورية،فتجارب أغلب الفنانين الذين لهم حضور على الساحة التشكيلي هي موثقة في الصحافة العربية والدراسات والكتب النقدية لمجموعة من النقاد الذين كرّسوا أنفسهم لمهمة النقد كما تفرغ الفنانون من أجل إنجاز العمل التشكيلي،والناقد قد يكون جانباً وسيطاً بين الفنان والمشاهد، وهو يضيء الدرب له وقد ينير الدرب للفنان، من أجل أن يكتشف بصمته الخاصة وما نلحظه للأسف أن الكثير من التشكيليين يتهمون الناقد بالتقصير، وأن النقد غير موجود وهو مقصر. بين الحرفة والإبداع،من خلال متابعتي للمشهد التشكيلي السوري والعربي،رأيتُ انه يوجد بين الفنانين من هو حرفي، وبسوية عالية في طريقة تنفيذه للعمل التشكيلي,وهناك البعض منهم من أصبح له طريقة قد تكون مميزة في تقليد فنان ما.. وهو يعتقد انه لمجرد أنه استطاع التقليد,قد يكون حقق خطوة كبيرة في مجال الإبداع الفني وربما يقيم معرضاً ما، وعندما تسأله أو إن جاء صحفي يحاوره، يقول انه لم يقلد أحداً، وهو الذي وجد دربه وطريقته في خرق الحواجز التي تقف في وجه إبداعه. نقول هنا انه لم يتأثر ولم يؤثر وإنما يسرق. سرقة الإبداع يعاقب عليها القانون،وعلى الجميع أن يعلم أن العمل الفني والإبداعي،ليس هو مجرد الجانب التنفيذي، وهذا لا يعني أننا ننكر القيمة المقدرة للحرفي في طريقة الأداء. السلطة الإبداعية: لو أجرينا حواراً ما عن الكتب التي قرأها، أو حتى عن المتابعات النقدية فنجد أنها معدومة،قد يعرف فناناً ما سيطر عليه وأعجب بإسلوبه وأخذ طريقته في العمل والتقنية. مساكين هؤلاء الذين يغنون لغيرهم لا لأنفسهم, ومنهم من يعترف في ذلك، وتلك هي البدايات لأي كان تبدأ في التقليد أولاً أما من يسرق ولا يعترف فتلك هي المشكلة، أن تقلد وتقلد وتعيش في وهم الإبداع. وكثيرة هي الحوارات مع بعض الفنانين التي قرأتها حيث يكون السؤال:ماذا عن الحركة التشكيلية السورية أو في محافظة من المحافظات. من هو الناقد ومن هو الفنان،وهذا الأمر يُختلف عليه، فلكل من الناقد والفنان سيرة وأعمال تؤكد ذاته.وتنمو بالتدريج نتيجة المتابعة والبحث والقراءة والنقد يواكب الفن،وإذا لم يكن هناك فن فليس هناك نقد، وأنا بدوري أقول أن التشكيل السوري متطور، وخاصة في السنوات الأخيرة قياساً بالتشكيل العالمي،لكن لا ننكر أن هناك حالات استعجال وتسرع لدى بعض الفنانين الشباب وبإسم الحداثة والحرية، يبدؤون بصنع اللوحة والمهم كما يبدو أن يغطى السطح بالالوان. وكما صدرت كتب كيف تتعلم اللغة بخمسة أيام، هناك من يفكر أن ينجز كتاباً كيف تصبح فناناً وأديباً بخمسة أيام،وحالة بعض المراكز الثقافية الرسمية والمقاهي الثقافية، تستقبل نشاطات للأسف تكون سطحية جداً، والأغرب أنه يأتي بعض الصحفيين الذين ليس لهم الخبرة في العمل الصحافي، ويكرسون تلك الظواهر السيئة، ويختلط الأمر على القاريء والمشاهد ولم يعد يستطيع التمييز بين الصالح والطالح من المرئي والمقروء, أنا أرى أنه كما يوجد فنانين كبار، يوجد نقاد كبار كرّثوا حياتهم للعمل النقدي، ولهم أبحاث في التشكيل السوري والعربي والعالمي، وكما يمكن أن نذكر في النقد: أسعد عرابي وسعد القاسم وأديب مخزوم وغازي عانا وكمال محي الدين حسين وغيرهم وهذه الأسماء كرّست نفسها من أجل متابعة المشهد التشكيلي السوري والعربي. وأقول أن هذه الأسماء هي ظاهرة لا يمكن أن نتجاوزها إذا عن المشهد التشكيلي. والنقد التشكيلي على هذا موجود كما هو التشكيل السوري، ولو لا الكتابات العديدة للنقاد لما كان هذا الحضور المميز للتشكيل السوري.فالتطور الحاصل في حياتنا الثقافية، هو عملية متبادلة بين الفنان والمشاهد والناقد،ولا يمكننا ابراز جانب على حساب تغييب جانب آخر.. إسماعيل أبو ترابة: الحقيقة أننا لا نقرأ إلا القليل الفنان التشكيلي إسماعيل أبو ترابة قال:الحقيقة أننا لا نقرأ إلا القليل، ولظاهرة العزوف عن القراءة عدة اسباب، من ضمنها، وجود مساحات واسعة مما ينشر لا علاقة له بلغة الفن والنقد، وهذا يعني أن ليس كل مايكتب وينشر في سوية واحدة، ومن الخطأ التعميم في هذا المجال، كما ان بعد النقاد عن الفنانين يساهم في طغيان لغة الخطاب الصحفي والأدبي البعيد كل البعد عن المفردات التشكيلية البصرية المقروءة في اللوحة. ومع تقديري لكل من يساهم في التعريف بالفن التشكيلي ورموزه، لابد لمن يدخل هذا المجال أن يكون ملما بكل المدارس الفنية وتطورها من عصر الرسم في على على جدران الكهوف،مرورًا بعصر النهضة ووصولاً الى المدارس الفنية الحديثة بتشعباتها وتفرعاتها كافة، من فنون بصرية وتركيبية وتجهير وغيرها. فالصحفي أو انصاف الكتاب يدخلون الى المعرض لتأدية واجب سريع أو لشغل فراغ في صحيفة، يدخل ويخرج دون أن يحمل نفسه واجب التعرف على الفنان ومحاوته والتعرف الى اسرار تقنياته والخول في عمق معاناته الحياتية وهمومه الفنية. كما أن العديد من الكتاب ينشرون مقالاتهم بصحف خارج القطر، وهذا يطرح المزيد من التساؤلات المقلقة عن سبب بعدهم عن صحافتنا المحلية، و يجعل المقالة غير مقروءة في الداخل، الشيء الذي يحد من انتشار الفنانين،بدلاً من المساهمة في تعريف الجمهور بأعمالهم الفنية. والنقد التشكيلي مثل كل صنوف الكتابات النقدية، مرتبط في احيان كثيرة، بالعلاقات وبالمصالح الشخصية، ولهذا نجد معارض هامة تمر دون ان تاخذ حقها في المتابعة النقدية والإعلامية، مع أن صاحبها قد يكون فاتحاً ومبدعاً في مجال صياغة اللوحة والمنحوتة. تعقيب المحرر: تبدو حدة المفارقة أكبر مما يتقبله المنطق، حين نعلم أن أحد الفنانين التشكيليين البارزين أيضاً، يجاهر بأنه لم يتابع منذ ثلاثين سنة صحيفة يومية، باستثناء الصحف التي تتضمن مقالات عن معارضه أو حوارات معه، والتي تفضح جهله بأبسط مبادئ اللغة التشكيلية، ومع ذلك سرعان مايدخلنا في عوالم طوباوية، متحدثاً عن غياب النقد،ومنطلقاً في حملة تنظيرية عارمة يرسم من خلالها صورة المستقبل المشرق لأبناء الوطن. الفعل النقدي الإيجابي مطالب اليوم أن يكون في مواجهة مستمرة لمجمل هذه الهرطقات والبالونات والتراكمات الكلامية الهشة، التي تتفاقم يوماً بعد آخر بسبب انعدام نقدها، ولهذا تدخل في نطاق التداول العام، رغم مظاهرها السطحية والاستعراضية. وحين نقول إن التشكيل السوري المعاصر لا يزال دون دراسات نقدية معمقة، فهذا يعني أننا نساهم في خلط الأوراق، ونجهل كتابات أولئك الذين وهبوا سنوات عمرهم في البحث والمتابعة والتحليل والنقد والتوثيق. غير أننا نستطيع القول: إن الحركة الفنية التشكيلية السورية، لاتزال تفتقد لدور المتحف ومراكز التوثيق والمعلوماتية، التي تساعد في إعادة كتابة مراجع الدراسات الفنية النقدية والأكاديمية. كما أن النقد السوري المتقدم والعصري والراقي، لم يدرس، ولم يفهم كما يجب، أي انه لايزال نقد غير مكتشف، ربما لأن البعض يجد في العمق النقدي والتحليلي غموضاً، بدليل أن بعض أدعياء النقد حين يكتبون عن الفن، فإنهم يسهبون ويسترسلون في الأخطاء والمغالطات والتناقضات، الشيء الذي يكشف بالتالي عدم قدرتهم على استشراف آفاق الكتابات النقدية الموضوعية والجادة. فحتى اليوم لا نكاد نعثر على دراسة نقدية مطولة واحدة تتناول كتابات هذا الناقد أو ذاك في إطار ما يسمى «نقد النقد» وقد يأتي اليوم، الذي يعيد فيه النقد القادم الاعتبار لبعض نقادنا الرواد والحاليين ويتم تصنيفهم كقامات إبداعية غير مكتشفة. وثمة ظاهرة عالمية واحدة يجب الانتباه إليها، وهي أن كتابات الفرنسي أندريه مالرو أحد أشهر وابرز نقاد الفن في هذا العصر، لم تكن مدرسية ولا منهجية، حتى انه توقف عن الدراسة منذ حيازته على الثانوية، ولم يحصل على شهادة جامعية، ورغم ذلك فالكتب التي تناول من خلالها تاريخ الفنون، وخاصة منذ عصر النهضة وحتى مجيء بيكاسو يتم تدريسها اليوم في جامعات عالمية. فلغة التهميش والإقصاء والادعاء والتناقض، والتشكيك بقدرات الآخرين، لاتطور نقداً، ولاتصنع فناً، وذلك لأن الفنان هو من يقدم الفن، والناقد المختص هو من يقدم النقد، ومن يفشل في كتابة جملة نقدية واحدة، ولايستطيع الإشارة إلى مواقع الخلل والصواب، لايحق له أن يعترض على وجود النقد والنقاد. وبالتالي فالمشكلة في النقد ليست في عدم وجود قسم له في كلية الفنون، وذلك لأن أهم النقاد التشكيليين عندنا من أمثال: طارق الشريف وصلاح الدين محمد، ليسوا من خريجي أكاديميات الفنون، كما أن معظم الذين يمارسون الكتابة النقدية في المجالات الإبداعية كافة، ويساهمون بالارتقاء بالذائقة الجمالية، ليسوا أكاديميين بالمعنى التقليدي، لهذه العبارة، وبالتالي فكتاباتهم واهتماماتهم الأساسية ليس لها علاقة بدراستهم وبشهاداتهم الجامعية. وفي هذا الاطاراتساءل: هل كان هناك على مر كل العصور القديمة والحديثة عبارة دكتور فنان أو دكتور أديب أو ناقد، وهل كان على سبيل المثال ليوناردو دافنشي دكتوراً، وهل الذين حازوا جائزة نوبل في الفن والأدب دكاترة. إن ذكر اللقب و المؤهلات العلمية يبدو ضرورياً في المؤلفات والبحوث وخلال المؤتمرات والندوات ولكن الأهم منه هو ذكر الكتب والبحوث والإضافات التي قدمها هذا الباحث أو ذاك إلى حركة الفكر والعلم والثقافة وذلك لأن الجوانب الإبداعية هي الأكثر قدرة على البقاء والديمومة في ذاكرة الأجيال الحالية والمستقبلية. وإلصاق الألقاب العلمية ودرجاتها بصفة فنان أو أديب أو شاعر لن يقدم ولن يؤخر، حتى إنه يبدو مختصاً في عالم الخطوط والألوان وذلك لأن جل مايطمح إليه المبدع يكمن في مدى قدرته على تجاوز الأنماط التقليدية المستهلكة ومكتسبات الدراسة الأكاديمية الجامدة. ولهذا يكمن القول: إن هؤلاء لايسعون لتقديم صياغة فنية أو أدبية مبتكرة وخاصة، وإنما يحاولون تغطية فشلهم الإبداعي والحصول على مكاسب فنية مفتعلة. من ناحية أخرى الفنان الأكاديمي من وجهة نظر النقد الموضوعي هو من يستطيع الوصول إلى إيقاعات الاتقان والتناسب والحيوية في تشريح معطيات الواقع، حتى وإن كان قادماً من خارج المحترف الأكاديمي، كما أن المشكلة ليست في عدم وجود اتحاد للنقاد التشكيليين، وذلك لأن مثل هذا الاتحاد لن يكون أفضل حالاً من اتحاد الفنانين التشكيليين. بالطبع النقد الأكاديمي المتعثر والركيك والتقليدي والفاشل، يثبت عدم معرفته على الأقل لأصول الممارسة النقدية الواضحة والقادرة على تحقيق نقاط الارتكاز الأسلوبية والإتقان المهني والانسياب الكتابي الشاعري. فالإبداع العربي المعاصر بحاجة ماسة لحوار نقدي ديمقراطي يفسح المجال أكثر للخيال والمعرفة والمقاربة والمباعدة التحليلية، ويحقق قبل ذلك عناصر الانفلات من القوالب الدراسية الجامدة، والقراءة النقدية البناءة القادمة من خارج الاروقة الاكاديمية، قادرة على تحقيق الصدى الايجابي عند جمهور الفنانين، لأنها تساهم في إثراء إعمالهم وأفكارهم وتعرف بها وتعمل على تقريبها من القراء والمتابعين. فما نحتاج إليه هو العبارات والأفكار الجديدة لا الأشياء الجاهزة، ولا يمكن إن نعود إلى الوراء، إلى الدراسات التجميعية والقراءات التقليدية، ولهذا بات من الضروري على المثقف العربي إن يتخلى عن عقدته المزمنة تجاه النقد القادم من خارج الأروقة الأكاديمية، لأن التغاضي عنه يزيد من حدة المراوحة في الطريق المسدود. وعلى الرغم من وجود النقد الفاعل الذي جاء كبديل عن النقد الأكاديمي الغائب، نجد البعض يعملون على تقويضه والتقليل من أهميته، وهم في ذلك يسيرون على ماتعارف عليه النقد العربي من تمجيد مطلق أو تهميش مطلق، دون القدرة على كسر الحد التقليدي الثابت والارتقاء إلى مستوى النص التحليلي الخالص. facebook.com/adib.makhzoum |
|