تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أحمد م أحمد يصنعُ تراكيب...ليحـــــــــــرق ــــــــــــفنه إلا نعشــــــــــاً

ثقافة
الثلاثاء6-1-2015
علي الراعي

لا يلوحُ

حقلُ اللغة الطّرية‏

في الأفق القريب‏

أخوّضُ.. في نصّ السيلوفان، بين أصابع راقصاتٍ‏

ينظرن إلى الساعات‏

أفهمُ أنني تائهٌ كسطرٍ‏

على حواف النار‏

تلك كانت بعضٌ من تراكيبٍ شعرية، يصنعها الشاعر والمترجم المعروف أحمد م أحمد ليقدم قوله الشعري بعيداً عما جرى صياغته منذ عقود تبدو اليوم طويلة في كتابة القصيدة الحديثة، تراكيب شعرية يختارها في مجموعة شعرية بعنوانها الصادم «أحمد م أحمد أحرق سفنه إلا نعشاً» والتي أصدرها مؤخراً عن دار أرواد بطرطوس.‏

«أحمد م أحمد أحرق سفنه إلا نعشاً» هذا العنوان الذي يأتي على صيغة خبرٍ صحفي مغرق بسوداويته، غير أنّ ذلك ما يوحيه التجلي الأول للقراءة، أو لسماع هذا الخبر الذي يأتي ناقصاً غير مكتمل، أهمل عن عمد الإجابة عن الكثير من أسئلة الخبر المعروفة بستة، فيما هنا يُجيب عن سؤالي «ماذا» وقليلاً «كيف».‏

أي إنّ أحمد منذ العتبة الأولى - التي هي العنوان - يلجأ إلى المواربة حيناً، و إلى المخاتلة طوراً، وإلى المراوغة تارةً، ليس في صياغة الإجابة على أسئلة العنوان الإخباري فقط، وأنما في الإيحاء وتأويلات فعل «الحرق».‏

فالحرق الذي يوحي بالخراب، قد يكون له جانباً تطهرياً وتطهيرياً أيضاً، هذه الحالات من المراوغة والمخاتلة والمواربة لن يقصرها الشاعر على العنوان فقط، بل ستكون هي المجال الأرحب للعب الشعري طوال المجموعة، ولأجل ذلك سيختار أحمد م أحمد لصياغة هذا «اللعب» تراكيب تبدو أنها كانت أحدى غايات القول الشعري، و بذلك سينجو من أن يكون كائناً لغوياً صرفاً، بل حفار في أرض اللغة، ينحت تراكيبه التي يُصوغها ليس ليدهش وحسب، بل ليصدم أيضاً، مبرزاً عن «كائن تراكيب» من نوعٍ لافت.‏

ذلك البدئيُّ‏

الذي التثنا به جميعاً‏

و الذي أكل التفاحة وحده،‏

الأرض كُلها. !‏

وإذا ما رجعنا إلى عنوان المجموعة قليلاً، فإنه بهذه الحالات من المخاتلة والمراوغة والمواربة، نراهُ يفتحُ الباب واسعاً على التأويل البعيد والقصي، العنوان الذي يستحضرُ «تاريخياً» مغامرة القائد الإسلامي طارق بن زياد في غزوه بلاد الأندلس على حينٍ بعيد من فائض القوة من التمدد الإسلامي، عندما صار بن زياد على الضفة الأخرى في بلاد الأندلس أقدم على إحراق سفنه ليسد على جنوده أي مسلكٍ للهرب، واضعاً أمامهم خياري الموت أو النصر، أو قد يستحضر العنوان تاريخاً آخر لمبدعين محبطين، كتاب وفنانون تشكيليون أحرقوا كتبهم ولوحاتهم على حين يأس، أو يختصر تاريخاً من إحراق مكتبات ومعالم حضارية - وهي لاتزال - تقوم بها ذهنيات تكفيرية عدوانية، ودكتاتورية بغيضة.‏

ومع ذلك فإنّ الشاعر هنا يقدم نصاً معادلاً لواقع مفعم بكل حالات هذه المراوغة والمخاتلة والمواربة، يظهر ذلك، أو يؤكده في أمرين، تعالق النص مع صاحبه حد اللنجدال، والثاني بتراكيب تبدو في غالب الأحيان «جقرة» أو «فاجرة» تماماً كواقعٍ يُشبهها.‏

بدا الأمر الأول من العنوان الذي صاغه الشاعر مندغماً مع اسمه «أحمد م أحمد أحرق سفنه إلا نعشاً» ثم ليكرر ذلك الاسم في عشرات المقاطع والتراكيب، حيث الشاعر يسرد ذاته منجدلة بكل ما حولها، ولهذا يبرز ضمير «الأنا» طاغياً في كل التفاصيل الشعرية.‏

أما في الأمر الثاني، فنرى الشاعر يسرد بطريقة توحي، وكأن لم يبق لديه شيءٌ ليخسره، بعد سلسلة خسارات طالت كل شيء، الأمر الذي يعطيه الشجاعة و الجرأة الكافيتين ليقول ما يريد دون خشية، بلغة وإن وصفتها بـ «الفاجرة» غير أنه الفجور الشعري الجميل الذي يقول كامل القول الشعري دون مهابة.‏

لم تُفلح كيمياؤكَ في تركيب‏

اسم صديقِ تهاتفهُ‏

حين تتشلّع الروح‏

هي تراكيبُ فاجرة لكن إلا قليلاً، ففي حالات الحب تنعطف تُقطرُ رقة وعذوبة، هنا تتخلى اللغة عن مخالبها، لتأتي كنسيم صباحات دمشق مغوية تُراود الحبيب عن نفسه.‏

و لمّا.. رأيتُ‏

غبارَ الطّلع، سحاباتٍ‏

يطيرُ إليكِ،‏

أيقنتُ.. أنّ.. بناتي‏

حدائقكِ‏

تبدو مجموعة «أحمد م أحمد أحرق سفنه إلا نعشاً» تنويع على التجريب الشعري، ابتداءً من شكل النص، وحتى المضامين، فهو مرةً يقدم بكل رشاقة القصيدة الومضة وبكل تكثيفها وشعريتها الكاملة الصور.‏

تكتنز شفتاكِ،‏

أتلمسُ نضج التين والزيتون‏

أسفل الشجرة‏

ومرةً يقدم القصيدة العارية من أي زخرفة، يروي خلالها حكاية طويلة، تُطيح بالشعرية لصالح نصّ أرعن، يُصرح بكل ما لديه بلا alraee67@gmail.com">هوادة.‏

alraee67@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية