|
الثورة وبين المشروع المقاوم وعناصر قوته الحق والمشروعية وإرادة الشعوب الساعية لنيل حريتها واستقلالها وقرارها في الحفاظ على كرامتها بعيداً عن الاستعمار والهيمنة والاحتلال، وتأخذ هذه المواجهة أشكالاً مختلفة منها العسكري والفكري والإعلامي والاقتصادي، وتمتد على كامل مساحة المنطقة تقريباً، وقد بلغت هذه المواجهة في الآونة الأخيرة مرحلة حساسة وحاسمة يكاد المتابع للكثير من تفاصيلها ودقائقها وتجلياتها أن يتبين على نحو كبير أي المشروعين بدأ بحجز بطاقة انتصاره فارضاً حضوره وشروطه ومعادلاته، وأيهما بدأ بتلمس طريق النجاة بعد أن عانى الإرباك والتراجع والفشل إيذاناً بلملمة أوراقه المتناثرة للخروج من المواجهة جزئياً أو كلياً، مع صعوبة الاعتراف بالفشل والهزيمة. لا يختلف اثنان بأن المواجهة بين المشروعين المذكورين لم تبدأ بالأمس القريب، بل تعود إلى بداية إنشاء الكيان الصهيوني في منطقتنا أي منذ اغتصاب فلسطين وتمدد هذا الكيان المحتل خارج حدود نكبة عام 1948، ولكن هذه المواجهة في العقود الثلاثة الماضية بدأت تشتد وتتأزم حتى وصلت خلال السبع سنوات الماضية من الحرب على سورية إلى حدود الصدام والحرب المباشرة بعد أن كانت تقتصر على الوكلاء في أكثر الأحيان، كأن يستخدم الكيان الصهيوني كرأس حربة للعدوان من حين لآخر أو تستخدم قوى عميلة أو جماعات متطرفة وإرهابية في إثارة الفتنة والعنف والتخريب والدمار، ويعتقد الكثير من المتابعين أن الحرب على سورية جعلت من هذه المواجهة مصيرية بكل ما للكلمة من معنى نظراً للموقع الجيوسياسي الذي تتمتع به سورية والدور الذي تلعبه منذ عهود طويلة، وهذا ما يفسر اتساع نطاق المؤامرة والصراع معها وعليها في السنوات الماضية. كذلك لا ينكر أحد أهمية وجود سورية في قلب المشروع المقاوم، لأنها حملت على الدوام أعباء القضية الفلسطينية وجعلت منها قضية العرب المركزية، وتحملت إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم كل المشاق والمتاعب التي ترتبت على الصراع من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة وعلى تخاذل الأشقاء وتخليهم عن هذا الصراع تحت عناوين ومبررات غير مقبولة، كما يعرف القاصي والداني أهمية الدور الذي لعبته سورية في إنتاج وتكريس فكر وثقافة المقاومة للمشاريع المعادية، بعد أن فقد العرب الرسميون نغمة التضامن والعمل العربي المشترك في كل ما يتهدد مصيرهم ومستقبلهم، وقد كانت سورية السباقة في دعمها للمقاومة الفلسطينية وقدمت لها أقصى ما تستطيع من المساعدة والاحتضان والدعم السياسي، في الوقت الذي كان معظم العرب يخرجون الواحد تلو الآخر من مسؤوليتهم تجاه مأساة الشعب الفلسطيني، ولاحقاً كان لسورية الدور الأبرز في دعم المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1982 حتى العام 2000، ومع دخول الثورة الإسلامية في إيران كداعم ومناصر أساسي لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، تم ردم الفجوة التي أوجدها التخاذل والانبطاح والتخلي العربي عن فلسطين والمقاومة. ومنذ انتصار المقاومة اللبنانية عام 2000 وتمكنها من طرد الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، وتحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلة، بدأ الكيان الصهيوني وداعموه بالتخطيط للانتقام من المحور المقاوم الذي كان السبب المباشر في هزيمته وقد ساعده في ذلك قيام الولايات المتحدة الأميركية بغزو واحتلال العراق وإطلاق التهديدات شرقاً وغرباً باتجاه إيران وسورية بسبب دعمهما لحركات المقاومة وخاصة حزب الله في لبنان، لتبدأ سلسلة من المشكلات والاغتيالات في لبنان وإيران وسورية بهدف ضرب وتفكيك المحور المقاوم الذي افرزه انتصار تموز عام 2006، وحين فشلت كل هذه المحاولات في الضغط على محور المقاومة للتنازل عن أوراق قوته، بدأت الحرب على سورية عام 2011 بأدوات إرهابية ومرتزقة قادمين من خارج الحدود لتدخل المنطقة برمتها حرباً طاحناً جعل منها محور المقاومة مجدداً مناسبة لتعزيز موقعه ودوره في معادلات المنطقة، بحيث بات من شبه المستحيل على المحور أو المشروع المعادي أن يحقق ما خطط له في السنوات الماضية، وها هي تطورات الحرب في سورية والانتصارات التي حققها الجيش وحلفاؤه تأتي لتؤكد متانة هذا المحور وقدرته على التغلب على كل الصعاب التي تواجهه. ولعل أهم ما كشفته تطورات الأسابيع الأخيرة من الحرب على سورية هو هزالة وهشاشة المحور المعادي، بحيث بدأت رحلة التراجع والمراجعة عند بعض عناصره كجزء من الاعتراف غير المعلن بالهزيمة والفشل، وأهم ما تتحقق حتى الآن هو الانتصار الساحق على القوى الارهابية التكفيرية وطردها من معظم الجغرافيا السورية وإرسال رسائل قوية لبقية عناصر المحور المعادي أن لا مكان لكم في أرضنا، وأن عليكم الرحيل قبل أن تواجهوا نفس المصير الذي يواجهه كل غاصب ومحتل. من سورية إلى العراق ومن لبنان إلى اليمن وصولا إلى فلسطين تتعزز أكثر فأكثر فكرة المقاومة ويترسخ مشروعها في مواجهة كل المشاريع العدوانية والاستعمارية اللقيطة، بحيث لم يسجل لمحور المقاومة حتى في أصعب الظروف التي مر بها أن رفع الرايات البيضاء أو تنازل عن حق من حقوقه رغم الحرب والدمار وسياسة الحصار والعقوبات الاقتصادية والتهديد والتهويل بالعدوان، الأمر الذي يسهم في إعادة صياغة المعادلات في المنطقة وفق مصالح وإرادة شعوبها، ويعجل بسقوط وانهيار المشاريع الأخرى. |
|