|
ثقافة
كتاب سوريون كثيرون تركوا بصمات مهمة في هذا المجال, ولكنهم ظلوا بالظل لم يسعوا للشهرة ووراء الاعلام, ومن هؤلاء الروائي الراحل الكاتب إبراهيم بركات جديد عضو اتحاد الكتاب العرب الذي نحن بحضرة ذكرى مرور أربعين يوما على رحيله, ممتد ومتواصل من لحظة اختباره للحب في روايته «حياة متدرِّج» وصولاً إلى تبلور مفهوم الوطن والفداء في داخله بعد نكسة حزيران العام 1967 في روايته «شجاعة امرأة»، وإلى التضحية الناجمة عن القناعة الإنسانية المُجرّدة من المكانة والحظوة والمنفعة الشخصية, إحساسنا بأن الحياة تظلمنا أحياناً بعتمة الظلمة على وهج الروح وإشعاعاتها، فتطفئ بالقهر الإنسان فينا بين مسارب جريان القطيع الذي يصبغ على نفسه القيَم العليا لروح الجماعة. إبراهيم بركات جديد الذي يحثّ الطريق نحو مهمته الوطنية في رواية «حياة متدرِّج» ليلتحق بالخدمة الإلزامية مشحوناً ببساطة القرية واغترابه عن سفاسف ما هو حوله، في اغتراب قريته عما حولها، مُحصّن بالفقر المُحْملّق في عينيه ليواجه صدمة الشبع مقابل باب أول مطعم للشواء في المدينة, سنوات وعقود تفصل بين الكاتب المُتشبّع من بيئته بكل تفاصيلها الجميلة، وبين رحيله قبل أربعين يوما, لكن حين يعبر المرء باب بيته، يدقّ في مخيّلته نبض خافِق كأنه يعبر إلى الحكاية. إبراهيم بركات جديد، هو حين تقتني روايته الأولى بعد سنوات وربما عقود، ترغب بالكتابة عن كاتب بين يدي روايته, فأنت تتعلّق بالتفاصيل وتفاصيل التفاصيل التي طوت شذرات الحياة وتجعلك تتعلّق على حبل غسيل في باحة الدار، كأنك تعود معها في دورة الزمن, تستشفّ عطور غسيل الزوجة وهي الأمّ التي يطل الدهر بكل متاعبه من بياض مفرقها ووجهها الصافي مع صفاء قلبها, هي تلقي ثياب أطفالها في الزمن القديم على تلك الحبال التي تقيّد بمحبة عائلة سورية أصيلة. الآن، في ردهة الصفاء تجول في الذاكرة مغامرات العشق التي تجعل الإنسان أن يغبط بطلات الرواية اللواتي تسربلهن شهوة الفلاح البسيط عندما يصير موظف ميري في روايته شجاعة امرأة, والتفرّس في أحزان الكاتب بسبب تجربة السجن العسكري التي كانت أول دروس قسوة الحياة الفظّة في المدينة، حمل الكاتب أوجاعها حتى رحيله قبل أربعين يوما وهو يبحر في سنواته بعد الخمسة والثمانين. لقد عبر عن طموحه الثوري في سردية تفصيلية لعنفوان بدايات النضال, فيأخذك العنفوان لأن تتقمّص شخصية البطلة التي تبعث حبيبها في قرار الدفاع عن الوطن وتبذل قبله روحها فداء قضية جرّها إليها كعاشقة، لأنها تبعثه ومعه وفيه اختارت الوطن. وكان حضنه وطناً أول وسفوح البلاد وهضابها وطناً أكبر. |
|