تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سلام الجبناء

ترجمـة
الأحد 13-1-2013
ترجمة: دلال ابراهيم

يتحسر بنيامين نتنياهو ألماً لأنه يعرف أنه وبصفته رئيس وزراء يمكنه استغلال الفرصة السانحة للتوصل إلى اتفاق تسوية شاملة مع الفلسطينيين ,مع استعداده لدفع الثمن المعروف .

في الأحاديث الخاصة معه , حتى تلك التي كانت تجري قبل الانتخابات , كان نتنياهو يحرص على أن بقدم نفسه كزعيم قادر على إحلال السلام في إسرائيل . وقد كتب مؤخراً الباحث زكي شالوم , من معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب يصف نتنياهو بالشخص الذي يرغب بأن يؤدي دور الخارج عن طوره للبدء بمفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين في أقرب وقت ممكن , تمهيداً للتوصل إلى اتفاق تسوية شاملة معهم .‏

وهذا الموقف ينطوي على لغز غريب في نظره , ولكن لا يمكن القول عنه أنه انتهازي . وإنما يثير الدهشة عندما نقارن بين نتنياهو العقل ونتنياهو العاطفة . تلقى بنيامين نتنياهو منذ طفولته الإيمان ببلاد إسرائيل الكاملة , ورائحتها الفواحة المنعشة لا تزال تسكن ذاكرته كلما تذكر أيام طفولته وشبابه وكلما كان في حضن العائلة , في تلك الحالة يعود إلى شخصية بيبي نتنياهو , هذا اللقب المحبب لا زال مغروساً عميقاً في نفسه . وحينما يسيطر عليه هذا البيبي يصبح مثيراً للخلافات ومتزمتاً , وبطل فضائح جماعة ( حباد) .‏

بمعنى أن نتنياهو العقلاني , رجل الدولة المستعد للحلول الوسط العملية يتلاشى ويختفي نهائياً . إنه يعاني, في الحقيقة من انفصام في شخصيته , إنه لا يزال يعاني من نوبات بيبي المتواترة , لا يزال يخشى بيبي المسكون فيه . خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي باراك اوباما ترك نتنياهو انطباعاً مبشراً , من حيث مرونته . فقد توصل والرئيس اوباما إلى شبه تام على الخطوط العامة للتسوية الإسرائيلية – الفلسطينية – العربية . واعترف نتنياهو أمام فريقه عن إعجابه بالرئيس اوباما وسعيه للسلام . ولكن هذا الإعجاب وهذه المودة لم تدم طويلاً , سرعان ما تلاشت في طريق عودته إلى القدس , لأن نتنياهو خلع عنه لبوس الرجل العقلاني وعاد إلى شخصية بيبي , وتحول من رئيس إلى مرؤوس ومن مبادر إلى متراجع ومن سياسي جريء إلى متلاعب جبان . ولكن من غير العدل أن نلقي اللوم على الثنائي بيبي – ينيامين نتنياهو فقط في عدم التوصل إلى تسوية تفضي إلى سلام. حيث تتحمل السلطة الفلسطينية الحالية, ولا سيما رئيسها محمود عباس وفريقه من نشطاء الماضي المحيطين فيه , بسبب إصرارهم على عدم الحديث مع نتنياهو بدواعي الخوف والخشية .‏

من جانب هم يخشونه لأنه قادر على اقتراح خطة سلام عليهم لا يمكنهم رفضها دون أن يفقدوا الغرب , ولا يمكنهم قبولها دون أن يفقدوا الشرق , العالم العربي . ففي الشارع العربي يعتبر نتنياهو مرفوضاً لأي تسووية كانت . لقد نجح أبو مازن في حملة التخويف من شخصية نتنياهو لدى الشعب الفلسطيني ونزع أي مصداقية له أكثر من المتوقع .‏

وهام الاثنان مقيدي اليدين بسبب الهراء الدعائي الذي أطلقاه وانقلب ضدهما . فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يهرب من لقاء بنيامين نتنياهو , ليس لأن ليس لديهما ما يقولانه , بل لأن لقائهما يمكن أن ينتج عنه قرارات مهمة . على مسافة قصيرة من تحقيق التطلعات التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية , إننا نكتشف عجز تلك السلطة الشديد وانقسامها على نفسها , إنها لم تعد تمتلك القوة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة والإيجابية . لقد أضعفت حماس من روح تلك الحركة , وأطفأ الازدهار الاقتصادي من حماستها .‏

وهنا مكمن المفارقة العجيبة . إذ لم يسبق أن عرفنا قيادة فلسطينية مستعدة لإجراء تسوية مع إسرائيل بهذا القدر , وفي نفس الوقت لم يسبق أن شهدنا قيادة فلسطينية خائفة بهذا الشكل من التوصل إلى تسوية شاملة مع الإسرائيليين .‏

ومن جانب آخر , لم يسبق أن كان نتنياهو مستعداً لهذه الدرجة على إجراء اتفاق تسوية مع الفلسطينيين , وفي نفس الوقت يمتلكه الخوف الشديد من تلك التسوية . وفي النهاية, لم يسبق أن كان العرب والإسرائيليين في فلسطين على هذه الدرجة من الخوف من إقامة دولتين . في السابق , تحدث كل من اسحاق رابين وياسر عرفات عن سلام الشجعان , والذي لم يتحقق . والآن فإن الإمكانية الوحيدة هي سلام الجبناء . ولعله يتحقق !‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية