|
الافتتــاحية وقد يكون بمقدوره أن يعيد تصحيح الكثير من مواقفه والتراجع عن الكثير من تصريحاته، لكن لن يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء وهو الذي كان يمتلك الفرصة التي لم تتح لغيره، والوقت الذي لم يكن وارداً لسواه، كي يختم حياته الدبلوماسية الطويلة وخبرته في إنجاز سياسي يسجل فيه عودته إلى حاضنته العربية وإلى خانته القومية. فالمسألة لا تتعلق بما أطلقه من مواقف على ما فيه من تجنٍ على السوريين وتطاول على قرارهم، بل بسلوك كنا نمني به النفس أن يخرج من عباءة الغرب، وأن يكون للحظة منحازاً لعروبته وللجزائر التي يحتفظ لها كل سوري في وجدانه ما لا يحفظه سواه من المحيط إلى الخليج. والقضية ليست في امتشاقه لخنجر الغدر في الخاصرة السورية على منوال سواه من الأعراب الذين سبقوه في الطعن الغادر، وقد اعتاد السوريون على موضة يتسابق فيها أولئك الأعراب على الطعن طمعاً في نيل الاستحسان الأميركي والرضا الإسرائيلي، إنما في النهاية التي قاد إليها دبلوماسية العرب الدولية، وإلى الهاوية التي أراد من خلالها أن يصطاد في السوريين، فإذا به يقع في فخ لم نكن نتمناه له ولا نقبل أن يصل إليه أي عربي حقيقي مؤمن بعروبته ومتمسك بقوميته ويرتمي في مصيدة نصبها بيديه وذهب إليها، بتعمد مسبق، أو مجبراً برجليه!! لن يضير السوريين أن ينضم إلى الجوقة فرد من الأعراب المغردة على النغمة الأميركية والوتر الإسرائيلية ، ولن يزيد من معاناتهم أن تضاف إلى القائمة أسماء أخرى من تلك التي باعت واشترت في العرب وقضاياهم، ولن يعدل في معيار واتجاه المواجهة أن يصطف على الضفة الأخرى عربي باع هويته واشترى فيها سجلاً من الخدمة المشبوهة للغرب الاستعماري وأدواته ببعض من مواهبه الدبلوماسية ورهن رصيده السياسي ليرمي به في مستنقع الاستقواء كغيره بتاج الخدمة للأميركي. لكنه كان مؤلماً لهم أن يلمسوا قبل غيرهم منذ البداية خطوط ومساحات من الاستحواذ المسبق لديه ولدى غيره ممن ارتضى لنفسه الموقع والدور، وحاولوا مراراً أن يدفعوا الشبهة عنه، وأن يغضوا الطرف لبعض الوقت ما هو يقين بالوثائق والأدلة والقرائن، وقدموا له كل ما يمكن ان يساعده على إنجاز مهمته، ووفروا له كل عوامل النجاح على أمل ألاّ تصح التوقعات وأن تخطئ التخمينات، وأن يعاكس التجارب السابقة وأن يصحو من غفلته أو يخرج من المصيدة. لم يفاجأ السوريون كما خيّل للبعض، ولم يتعجبوا مما صدر وكانوا قد قالوها مراراً في مجالسهم وتداولتها أحاديثهم الخاصة والعامة، لكنهم مفجوعون بنمط الاستكثار عليهم أن يكون بين صفوفهم عربي لم يشتر، وعربي لم يبع مسبقاً، وعربي وصل إلى مركز مرموق في السياسة الدولية لم يقبل بالاشتراط المسبق بالإملاءات وما تفرضه وما تقتضيه. لم يستغربوا القاع ولا الحضيض الذي ارتضاه، فمن تهن عليه عروبته وانتماؤه فلن يتوقف عند حدود القاع الآسن ولا على حواف المستنقع، والإبراهيمي بالغ في مغطسه وقد قلناها ونعيدها اليوم. يرسم الإبراهيمي قوساً جديداً وغير مألوف في محاكاة المهمة الموكلة إليه أميركياً، وهي تتعارض إلى حد التناقض مع بعدها الأممي، وترمي بثقلها في ميزان الدفع نحو الغرق في الرمال المتحركة التي سبق لها ان ابتلعت من سبقه، وأثقلت كثيراً على من سيتبعه. |
|