تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مبررات التوجه الفلسطيني دولياً

معاريف
ترجمـــــــــــة
الأحد 14-4-2013
 ترجمة: دلال ابراهيم

بات من المألوف على الدوام أن يرافق الجدل الدائر حول الاحتلال العمل على تنقيح وتصويب بعض المصطلحات في اللغة العبرية . ومنها على سبيل المثال استبدال كلمة (مستوطنين) المكروه استخدامها بمصطلح (المتوطنين) واستبدال كلمة (اقتلاع الأشجار ) بكلمة (الكشف) وغيرها الكثير . ولكن يجري الجدل الآن حول مصطلح (الاحتلال ) بذاته .

حيث يدعي اليمين الإسرائيلي متسلحاً بكافة الحجج القانونية من جانبه أنه لا يوجد هناك أي احتلال على الاطلاق. وبالطبع يتبنى الوسط الإسرائيلي نفس موقف اليمين كالعادة . إلا أن تغيير المصطلحات اللغوية أو تلوينها وتزيينها لن يغير في واقع الأمور شيئاً. لأن كلمة احتلال لا تنطبق على الأرض فحسب , بل تنطبق على جزء من السكان الذين يعيشون عليها.‏

وفي إسرائيل ثمة شريحتان من السكان تعيشان بتمايز بينهما في ظل الحكم الإسرائيلي . إحداها تتمتع بكامل الحقوق والامتيازات , والشريحة الأخرى تخضع لسلطة عسكرية فظة منذ عقود من السنين ( وإن كانت السيطرة خلال العقود الأخيرة تتم عملياً تحت سلطة حكومة الدمى في رام الله وبتمويل أميركي - أوروبي ) إن الإسرائيليين الذين يعتقدون أنه بمجرد اطلاقهم على الفلسطينيين تسمية ( عرباً ) وعلى المناطق المحتلة تسمية ( بلاد إسرائيل ) فيه البلسم الشافي لجميع مشكلاتهم السياسية , إنما يمنون النفس بالأوهام . أنا من ناحيتي , اعتبر الخليل وبيت لحم جزءاً من بلاد إسرائيل التاريخية على قدر المساواة مع تل ابيب أو ناتانيا .‏

إلا أن المشكلة تكمن في حقيقة أنه في تلك المدينتين يوجد الملايين من السكان المجردين من أي حقوق . علماً أن غالبية اليمين يدرك هذه الحقيقة , ولكنهم إلى جانب شريحة عريضة من الإسرائيليين والسياسيين يريدون طمر رؤوسهم في الرمال كالنعامة والغوص في الأوهام . وفي الآونة الأخيرة , أشار الناشط في مجال السلام غيرشون بسكند , وهو على حق , بأن أي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أو الكنيست لم يتخذوا القرار الجريء بتأييد إقامة دولتين لشعبين . صحيح أن ثمة رؤساء حكومات إسرائيلية قد اتخذوا بعض الخطوات في هذا الاتجاه خلال إجراء المفاوضات .‏

ولكن بالمقابل سعى آخرون ما في وسعهم للامتناع عن اتخاذ هكذا خطوات . ونتج عن ذلك إحكام سيطرة إسرائيل على تلك المناطق وتبرير الجمهور الإسرائيلي لحكوماتهم مثل هذه السياسة من خلال صناديق الاقتراع . وحري القول أنه ليس هناك أي مسوغ أخلاقي لاستمرار السلطات الإسرائيلية باحتلال الأراضي , حتى ولو جاء نتيجة انتخابات ديمقراطية , فأي ديمقراطية تلك التي تقوم على أساس حرمان جزء من السكان من حقهم في الانتخاب . كما ولا يمكن لإسرائيل أن تقرر بشكل ديمقراطي احتجاز الفلسطينيين كأسرى والاستمرار في حرمانهم من حقهم في حرية الحركة والتنقل ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية واستمرار اخضاعهم لسلطة عسكرية تنظر إليهم بوصفه أعداء .‏

ليس المهم أن نتحدث الآن عن أراض معينة , بل الأحرى الحديث عن البشر وعن حقوقهم . هناك الكثير من الشعوب التي لم تنل استقلالها , ولا زالت تناضل من أجله , ولكنهم سواء أكانوا في التيبت أو الآغور أو الأكراد أو الكاتالونيين لا زالوا يتمتعون بحقوق المواطنة بشكل كامل . في حين أن إسرائيل تبدي عدم استعدادها لمنح الفلسطينيين حق المواطنة , مقابل عدم استعدادها لإخلاء المناطق التي تسيطر عليها . بل جل ما تقترحه هو إجراء مفاوضات تفضي في النهاية , على أعلى تقدير على عدم منح هذا الجزء من السكان حقوقهم الأساسية , والتي من الأساس لا يحق لإسرائيل حرمانهم منها . وفي ضوء ذلك , يمكننا أن نبارك التدخل الدولي في هذا الاتجاه , وليس فقط نصفه بالشرعي .‏

نظراً لأن النضال من أجل حقوق الأقليات ( ولا سيما الأقليات من السكان الأصليين , على غرار الفلسطينيين ) لا بد وأن يأخذ بعداً دولياً , بسبب تعنت الجهة المتسلطة في منحهم حقوقهم الأساسية . ولذلك أحرج النضال في جنوب أفريقيا وحتى النضال الذي شهدته الولايات المتحدة تلك الحكومات من خلال فضحه سياساتهم وأعمالهم , وكان في نظر النشطاء السياسيين تكتيكاً شرعياً وقانونياً . وفيما يخص الوضع الفلسطيني , لا بد وأن ينتج عن مواصلة الاحتلال وعدم الاكتراث الإسرائيلي بوضع الفلسطينيين توجه هؤلاء إلى المؤسسات الدولية أو التوجه إلى الرأي العام العالمي من أجل انهاء الاحتلال . على الرغم من السخط الذي يثيره هذا التوجه لدى الجمهور الإسرائيلي .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية