تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دراما الطفل :كوادر هامة وميزانية محدودة!!

شؤون ثقا فية
الاربعاء 4/7/2007
سوزان إبراهيم

تؤكد الدراسات الحديثة أن 80% من المعلومات التي يحصل عليها الإنسان تكون من خلال حاسة البصر

من هنا يمكن تخمين الأثر الهام الذي يتركه التلفزيون في المتلقي وبخاصة الأطفال إذ غدا هذا الصندوق العجيب مربياً آخر في الأسرة يساهم بجزء كبير من عملية التنشئة الاجتماعية التي تشمل عمليات التعليم والتعلم والتغير والاكتساب التي تتعرض لها شخصية الطفل اثناء تفاعله مع الآخرين والتنشئة الاجتماعية تهدف إلى إكساب الطفل القيم المناسبة والمعايير والاتجاهات التي تمكنه من الاندماج في جماعته والتوافق الاجتماعي معها.‏

تسببت في تراجع قيمة العمل‏

والسلبية في مواجهة المشكلات‏

متسمرون أمام الشاشة...‏

يعمل التلفزيون على نقل الطفل من عالمه الواقعي الى عالم من صنع هذا الجهاز الاعلامي الخطير: وفي دراسة أجريت في مصر تبين ان 98% من الأطفال يشاهدون التلفزيون وهنا نسلط الضوء على دراما التلفزيون الموجهة للأطفال وقد اتضح لصاحبة الدراسة ان الدراما التلفزيونية تسببت في تراجع قيمة العمل والسلبية في مواجهة المشكلات وأن هناك 94.8% من الأطفال يتابعون البرامج الخاصة بهم فما هو الدور الذي يلعبه هذا الجهاز ?! حسب الدراسة السابقة تناولت الأعمال الدرامية الموجهة للطفل قيم العلم والإبداع والتفكير العلمي بأسلوب علمي وعقلاني بنسبة 54.5% أما الأعمال التي لجأت إلى الطرق الخرافية وغير العقلانية فكانت بنسبة 45.5% ( اي ما يعادل النصف !) كما اعتمد الكثير منها الحظ والسحر والجن كآليات ومنافذ لحل المشكلات وقدمت تلك الدراما الخاصة بالأطفال عالما يسوده الرجل في حين ظهرت الشخصيات الانثوية عاجزة وغير قادرة على مواجهة مشكلاتها! إذا ولأن التلفزيون يمتلك إمكانات غير محدودة في التأثيروالتوجيه والتثقيف يفترض ان يلعب دورا مهما ومحوريا في التنمية الثقافية للصغار خاصة إذا علمنا ان الطفل يتذكر 50% مما سمعه وشاهده!‏

الهاشمي : الكتابة تنبع‏

من إحساس نبيل‏

من هنا كان الحديث مع الأديب نور الدين الهاشمي الذي فاز بأكثر من جائزة عن اكثر من عمل درامي للأطفال حول دراما الأطفال تحديدا وأهميتها ومشواره مع هذا الفن الجميل:‏

كانت البدايات في التسعينات مع مسلسل (رحلة الحظ) وقد أخذته عن إحدى مسرحياتي حيث تدور الأحداث حول فكرة أن على الإنسان الاعتماد على العمل وصولا لتحقيق الأهداف وليس على الحظ ثم كان مسلسل (وادي الكسلان) و (سفينة الأحلام) و (الرجل الآلي) وبرنامج (فكر ..فكر) للتركيز على ضرورة إعمال الفكر والعقل لحل المشكلات التي تواجهنا ثم كتبت مسلسل (المهر الوفي) ثم (الامنية الخامسة)ويتحدث عن تلوث البيئة واهتمام الأطفال بإصلاحها والمساهمة في رعايتها ثم جاء فيلم بعنوان»أزهار الصداقة) حول أهمية الصداقة في حياة الانسان وقد نال العملان الأخيران جوائز ذهبية في مهرجات القاهرة الثاني عشر عام .2006‏

ثم هناك فيلم »يوم واحد) ينتجه التلفزيون السوري وهو قيد اللمسات الاخيرة..‏

الطفل قليل الصبر على القراءة‏

إن الكتابة للأطفال تنبع من إحساس نبيل لدى الإنسان فهذا الجيل يحتاج للكتابة هذا بالإضافة إلى الرغبة المترافقة مع القدرة على هذه الكتابة ولعل ذلك جاء نتيجة لكوني معلما ومدرسا لفترة طويلة » اكثر من 30 عاما)ورأيت ان باستطاعتي وعن طريق الفن ان اقدم لهم المفيد والممتع.‏

كثيرون استسهلوا الكتابة للطفل لكن كثيرين ايضا أخفقوا وهذا يشكل خطرا فالكتابة للطفل ليست ان نقدم له القيمة الاخلاقية او المعرفية بشكل مباشر فالأهم هو عامل التشويق وأجدادنا امتلكوا هذه القدرة على إثارة التشويق كما في قصص السندباد وعلي بابا وعلاء الدين ...إن الطفل بفطرته يتجه نحو حيوية الحياة وحرارتها وإلى الغرابة والحكاية الجميلة والتشويق والخيال وهذا بعض من مستلزمات أدب الطفل بشكل عام مع تغير العصر ودخول مفرداته الجديدة كان لابد من استخدامها في دراما الطفل الذي دخل عالم الانترنيت والكومبيوتر لكن هذا لا يعني ان التراث غير قادر على التطوير فبامكاني تقديم الجميل والمفيد من ذلك التراث بوسائل هذا العصر الحديث وهناك الكثير من القصص العصرية والواقعية وكذلك الخيال العلمي يمكن تقديمها للطفل فالحياة واسعة وما يمكن تقديمه للطفل واسع أيضا وتبقى قدرة الكاتب على الصياغة والاختيار والتقديم.‏

إن كلا من الكتابة والمسرح والدراما وسائل ضرورية للطفل لا يمكن »الاستغناء عن أي منها لكن ثقافة الصورة الآن تفرض نفسها وقد غدت هامة جدا للطفل فهو قليل الصبر على القراءة وهكذا غدت الدراما جزءا أساسيا من ثقافة الطفل ولابد من الاهتمام بها كثيرا.‏

للأسف فإن قطاع الانتاج الخاص لايهتم مطلقا بأعمال الأطفال فأسعارها في محطات البث التلفزيوني رخيصة وهكذا يعرض المنتجون عنها وفي هذا خطر كبير جدا صحيح اننا ننفق اموالا طائلة على أعمال للأطفال لكننا الرابحون في النهاية إذ نكسب إنساناً في المستقبل و إذا أردنا بناء جيل فلا بد من الثقافة إلى جانب التعليم طبعاً و إلى الدراما التي أصبحت جزءاً منها.‏

أعتقد أن دائرة الأطفال في التلفزيون السوري بحاجة إلى مديرية كاملة ومبنى خاص و إلى كادر كبير وجديد وإعادة النظر فيما يقدم كما تحتاج إلى ميزانية كبيرة وعملية تقييم مستمرة.معظم المسلسلات التي قدمتها وتقدم تتوجه إلى الفئة العمرية بين 7 -14 سنة وأحياناً حتى 16 سنة أما المرحلة الأولى من الطفولة 1- 4 سنوات فلم أجرب الكتابة لها لأنها على درجة كبيرة من الصعوبة والخطورة وهي تحتاج إلى فريق من علماء النفس والتربية والفنيين إذا تكون العملية الحسية هنا هي الأساس أي الصورة الحسية تعتمد على الصورة ثم الموسيقا الناعمة والطرافة وكذلك اللون إنهابحاجة إلى جيش من الكوادر والمختصين والأموال الطائلة أيضاً.‏

ماريا ديب :لدينا نصوص عصرية سترى النور..‏

ورغبة من الثورة في متابعة الموضوع توجهت إلى دائرة برامج الأطفال في التلفزيون وكان هذا الحديث مع السيدة ماريا ديب رئيسة الدائرة:‏

تأسست الدائرة منذ أكثر من 25 سنة وتولتها منذ البداية السيدة هالة الأتاسي حيث ساهمت في تحديد هوية للدائرة وقدمت مجموعة من الأعمال الدرامية الهامة جداً والتي حصلت على جوائز من مهرجانات عربية ودولية وقد وفدت هذه الدائرة قنوات التلفزيون الثلاث.ننتج سنوياً مجموعة من المسلسلات وبما هو متاح من إمكانيات ومخصصات من الناحية المادية.منذ عام ونصف العام أي مع استلامي إدارة هذه الدائرة أنجزنا:فيلمين هما:»أزهار الصداقة)و »يوم واحد) و كذلك »الأمنية الخامسة) كما أنجزنا سداسية »بنت العز) للكاتب أحمد صالح والمخرج غازي إبراهيم ونالت الجائزة البرونزية مؤخراً بينما حصل »أزهار الصداقة) للمخرج حسام داغستاني و »الأمنية الخامسة) للمخرج محمدشيخ نجيب والكاتب نور الدين الهاشمي على جائزتين ذهبيتين .‏

كان هذا إنجاز عام 2006 ونأمل أن نتمكن خلال عام 2007 من إنجاز المزيد وحاليا هناك مسلسل للكاتب د. فتح الله عمر بعنوان (مواسم الخطر) وهو نص عصري هام للغاية يتحدث عن الأسرة وتفككها نتيجة ضياع الأب ومزاجيته وضياع الجيل الجديد وهناك مسلسل (الماكينة) للكاتب شكري الريان وثمة فيلم »أولما والعطر) فيه الكثير من العبر والرقصات الساخرة للكاتبة جمانة نعمان هذا إلى جانب وجود أعمال تمتلكها الدائرة وهي قيد الإنجاز ومنها قصة للسيدة لينا كيلاني ولدينا برنامج فيه شيء من الدراما (دفتر الحكايات) يتناول موضوعة كيف نعيد الأطفال إلى القراءة.‏

إن الميزانية المخصصة للدائرة من ميزانية الانتاج بشكل عام هي 10% لقسم الأطفال فإن كان هناك 200 مليون ليرة للانتاج فهناك 30 مليون ليرة للأطفال في أي دولة من دول العالم الميزانية المرصودة للتلفزيون تختلف عما لدى القطاع الخاص الذي يملك مساحة أكبر,فالتلفزيون يتحمل أعباء كثيرة وليس فقط عبء الإنتاج الدرامي.كانت ميزانيتنا مهمة لكنها في الوقت الحالي قليلة.‏

لا يمكننا إنتاج أفلام كرتون فالدقيقة الواحدة تبلغ كلفتها 60 ألف ليرة وبذلك لن تكفي ميزانية الدائرة لانتاج عمل واحد رغم أن لدينا روايات جميلة جداً للأطفال تعتمد بشكل رئيسي على تقنية التحريك لدينا مؤهلات بشرية هامة لكنها بحاجة إلى من يشغلها ولا بد من توفر المال والفن يحتاج أموالاً,ربما تدرس الإدارة مشروعاً مع القطاع الخاص فهي المعنية بذلك فثمة برامج يرعاها هذا القطاع وقد يطال الأمر بعض التمثيليات,هذا ممكن لكنه لا يحل الأمور كلها!‏

ندعو الجميع للعمل بمشروع ثقافي لأطفالنا‏

لا بد أن أقدم للطفل كل ما هو حديث ولكن علينا إرشادهم إلى الجذور أيضاً للتمسك بها وبمبادئنا وأخلاقنا وكيفية التعامل مع هذا الإرث العظيم .لدينا الكثير من الكتاب المهمين في سورية إلا أن من يكتب للأطفال بتميز قلائل وكثيرة هي النصوص التي تردنا لكن المتميز منها لا يتعدى 2 3 نصوص إن كل الأعمال التي نقدمها حقيقة هي للمرحلة الثانية والثالثة من مراحل الطفولة أما مرحلة الطفولة الأولى فهي مغفلة لأنها تحتاج الكثير من الإرشاد والتوجيه.‏

يبقى أن نثني على جهود كتابنا وتلفريوننا وأن ندعو الجميع بما فيهم الخاص للتوجه نحو مشروع وطني لثقافة الطفل مهما بلغت النفقات فالنتائج الإيجابية مضمونة لأن بناء الإنسان هو من يرجح كفة الميزان هنا والاستثمار في الإنسان خاصة الجيل الحالي من واقعنا هذا استثمار رابح دوماً.‏

suzani@scs-net.org.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية