تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا يكره هؤلاء أميركا..?

كتب
الاربعاء 4/7/2007
سلمان عزالدين

في كتابه الجديد (دولة الأشرار) يحاول الكاتب الأميركي ويليام بلوم الإجابة على التساؤل الذي يؤرق غالبية الأميركيين منذ الحادي عشر من أيلول:

لماذا يكرهوننا ? وقبل أن يقدم إجابته الخاصة فهو يستعرض عددا من الإجابات التي تبناها أركان في الإدارة الأميركية الحالية وعدد من المنظرين المحسوبين على المحافظين الجدد..‏

لقد كانت النيران لا تزال تتعالى في غراوند زيرو عندما سارع كولن باول إلى الإعلان: (مرة أخرى نشاهد إرهاب الناس الذين لا يؤمنون بالديمقراطية), ويبدو أن هذا الاستنتاج الطريف الذي اجترحه باول قد راق كثيرا للرئيس بوش فراح يكرر هذه النغمة في كل مناسبة مضيفا عليها تلوينات درامية ذات نكهة مأساوية حيث غدا هو وزملاؤه مجرد ضحايا للرسالة السامية التي يحملونها: (إن التهديدات التي نواجهها هي هجمات إرهابية عالمية. هذا هو التهديد. كلما أحب المرء الحرية أكثر كلما كان احتمال تعرضه للهجوم أكبر)...في مناسبة أخرى قال بوش: (لقد رأينا قابلية سقوطنا بيد الأعداء ورأينا أسبابها العميقة, طالما أن مناطق بأسرها من العالم تغرق في الحقد والطغيان ومعرضة للخطر من خلال إيديولوجيات تغذي الحقد وتبرر القتل فان أعمال العنف سوف تستمر)..هذه هي الأسباب العميقة التي توصل إليها بوش في تحليله لظاهرة الإرهاب, ولكنه لم يوضح ولا مرة واحدة لماذا أصاب داء الكراهية العالم بأسره فجأة, ولماذا كلما أصيب رجل بالإحباط وامتلأ بالحقد فإنه يختار الولايات المتحدة هدفا للتنفيس عن حقده وليس الصين أو اليابان أو سويسرا مثلاً...?!‏

على كل هذه النغمة صارت بمثابة لازمة في أدبيات المحافظين الجدد وهناك من صاغ المسألة بقدر أكبر من البلاغة: (لم نهاجم بسبب رذائلنا بل بسبب فضائلنا) ما يعني أن الإرهاب سببه في الأساس جحود العالم الثالث ونكرانه لفضائل وأفضال الولايات المتحدة, ويبدو أن إدارة بوش تستشير عرافات الفضائيات لتخرج بهذه النتيجة التي مفادها أن الدافع وراء كراهية الآخرين لأميركا هو الغيرة وحسب..‏

بالمقابل ثمة إجابات من نوع آخر وعلى السنة أعداء أميركا هذه المرة, فأولئك الذين كانوا مسؤولين عن الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993 أرسلوا رسالة إلى النيويورك تايمز قالوا فيها: (نحن نتحمل المسؤولية عن التفجيرات في المبنى المذكور. لقد نفذ هذا العمل في هجوم معاكس للدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري الأميركي لإسرائيل دولة الإرهاب...).‏

ريتشارد رايد الذي حاول في كانون أول 2001 أثناء سفره إلى ميامي على طائرة أميركية أن يفجر قنبلة, قال للشرطة أن هجومه الانتحاري كان محاولة لتوجيه ضربة إلى الحملة الأميركية على أفغانستان, وفي رسالة بالبريد الالكتروني إلى والدته كتب رايد أنه (كان من واجبه المساعدة على إبعاد القوات الأميركية القمعية من الدول الإسلامية).‏

بعد الهجوم بالقنابل على بالي قال احد المتهمين الرئيسين للشرطة أن تلك الهجمات كانت (أخذا بالثأر لما ألحقه الأميركيون بالمسلمين) وقال انه (أراد أن يقتل من الأميركيين أكثر ما يمكن لان أميركا تقمع المسلمين).‏

بالطبع ويليام بلوم لا يبرر مثل هذه الأعمال التي أقدم عليها هؤلاء, ولكنه يسعى إلى إيضاح أن هذه الأفعال العنيفة لا تعبر عن حقد فطري أو كراهية لقيم الحرية أو حسد على الرخاء الأميركي, بل ببساطة هي مجرد ردود أفعال على السياسة الخارجية الأميركية الملطخة بالدم والموسومة بالعنف, ويستعرض بلوم مقتطفات من سجل التدخل الأميركي (الإنساني) في العالم ولا سيما الشرق الأوسط:‏

إسقاط طائرتين ليبيتين عام 1981, قصف بيروت عامي 1983 و1984, قصف ليبيا عام1986, قصف وإغراق سفينة إيرانية عام 1988, إسقاط طائرتين ليبيتين أخريين عام 1989, الحرب على العراق عام 1991 ثم القصف المتواصل وفرض العقوبات على شعبه طيلة السنوات ال12 التالية تمهيدا لاحتلاله عام 2003 بتكلفة باهظة من أرواح الأبرياء, احتلال أفغانستان 2001 ...‏

يقول المؤلف: إن الساسة الذين يعلنون على الناخبين أسباباً زائفة لما تتعرض إليه بلادهم من شعور متنام بالكراهية, هؤلاء الساسة أنفسهم يعرفون الحقيقة, فكولن باول مثلاً كان قد كتب في مذكراته المنشورة عام 1983 عن الأذى الذي ألحقته (نيوجرسي) في بيروت ومناطق أخرى من العالم وعن ما يمكن أن تثيره من نقمة وكراهية, وفي عام 1997 جاء في دراسة للبنتاغون: »تظهر المعلومات التاريخية ارتباطاً قوياً بين المشاركة الأميركية في أعمال دولية وبين تنامي الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة»...الرئيس الأسبق جيمي كارتر تحدث في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز عن الكراهية الشديدة بين كثير من الشعوب اتجاه الولايات المتحدة جراء )قصفنا وقتلنا قرويين أبرياء تماماً ...لذلك تحولنا في رؤوس أولئك الذين خاب أملهم.. إلى شيطان. هذا ما أدى إلى اخذ الرهائن وسبب بعض الهجمات الإرهابية).‏

يلخص بلوم محاجته بالقول: »كفوا عن تقديم الدوافع للإرهابيين لكي يهاجموا أميركا...فطالما أن حكومة بوش تجرب على نحو محموم برامج لكي تزيد هيبة أميركا في العالم الإسلامي بدلا من أن تضع حدا لسياسة خارجية قوامها التدخلات الدموية والابتزازية, فإن الحرب على الإرهاب ستبقى محكومة بالفشل...)‏

الكتاب:دولة الأشرار تأليف ويليام بلوم‏

ترجمة:د. مازن مغربي - علي جبيلي‏

صادر عن دار الرأي 2007 في 325 صفحة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية