|
ترجمة كما يتعين أيضاً على سلفه توني بلير شحذ قصارى امكانياته للتعاطي مع معضلات الشرق الأوسط لعله يستطيع في ذلك إصلاح ماشاب سمعته من آثار سلبية, وبذلك فإن كلاً منهما يواجه مهمة صعبة. إن المعضلة التي تواجه براون هي الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبلاد جراء الحرب العراقية التي تتطلب بالضرورة سنوات عديدة وربما عقوداً لمعالجتها, أما بالنسبة لبلير فلديه معضلتان رئيستان الأولى جراء سجله المؤيد لإسرائيل وولائه المطلق للولايات المتحدة ,الأمر الذي يجعل القليل من العرب يثقون به ( ومن الأمور الطبيعية بأنهم من غير الراديكاليين, أما المعضلة الثانية فإن دوره كمبعوث للرباعية في الشرق الأوسط سيكون ذا ساحة محدودة إذ إن أميركا وإسرائيل ومبعوث السياسة الخارجية خافيير سولانا لن يسمحوا له أن يلعب دوراً سياسياً هاماً قد يفضي إلى الإضرار بمصالحهم الخاصة, ونشاطاتهم وكما وأنهم لا يرغبون بمشاركته في التفاوض لإجراء التسوية النهائية في النزاع العربي- الإسرائيلي إذ إن الولايات المتحدة تصر على أن تكون الجهة الوحيدة المهيمنة على عملية السلام, وتؤيدها( إسرائيل) في ذلك حيث ترفض القبول بأي تدخل خارجي من أي جهة أخرى. إن الرغبة الأميركية تقوم على حصر دور بلير بمساعدته السلطة الوطنية الفلسطينية لتطوير مؤسساتها وجعلها ذات فعالية كي تصبح شريكاً مقبولاً من قبل (إسرائيل) وذلك يعني بأنه سيعمل بشكل مباشر مع محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض اللذين يتلقيان الكثير من التمويل والدعم السياسي الدولي ولا نعلم إن كان بلير سيعطي بعضاً من جهوده لمساعدة حماس في غزة, أم يسير على نهج أميركا وإسرائيل في تشويه سمعتها ووصفها (بالمنظمة الإرهابية) وهو الآن يقع في مطولة الاختبار الحقيقي لتوجهاته? إذ إنه لو قاطع (حماس) فإن مهمته لن يكتب لها النجاح, أما إذا أجرى اتصالات معها, وحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين بتمويلها وتشجيعها فهو في ذلك سيغضب واشنطن وحليفتها إسرائيل, وسيصار في الحال إلى إبعاده عن العمل الذي أوكل إليه. لا شك بأن نتائج الحرب على العراق المؤيدة من قبل بلير قادت إلى كارثة أخلاقية واقتصادية وسياسية واستراتيجية كان ثمنها كبيراً جداً للولايات المتحدة سواء من حيث عدد الجنود الذين لقوا حتفهم والأموال المهدورة, وتدنياً في هيبتها, أما بالنسبة لبريطانيا فقد كانت الخسائر أقل إلى حد ما, ومع ذلك كانت كبيرة بالنسبة لها الدولة الموحدة. لقد تشتت العراق كبلد موحد إذ أصبحت تكتنفه النزاعات الداخلية, وانتهى دوره التقليدي باعتباره حارساً للبوابة الشرقية للعالم العربي, وحدث خلل في ميزان القوى الاقليمي, أما على الصعيد الداخلي فقد أدت الحرب إلى مقتل وجرح مئات الألوف من العراقيين, وهروب وتهجير الملايين من بيوتهم, يضاف إليها التدمير الكبير للبنى التحتية التي لا تقدر بثمن وانطلقت الشياطين الطائفية مهددة بإيقاع الخراب في دول الجوار. صرح بلير عند استلامه السلطة عام 1997 بأنه سيتبع سياسة خارجية (أخلاقية), لكنه لم يفي بوعده, واكتنفت سياسته الكثير من الفضائح والأكاذيب , فقد كان على علم بعدم توفر الدليل على وجود أسلحة الدمار الشامل , ومع ذلك فقد روج لتلك الادعاءات بهدف إقناع الشعب البريطاني بتأييد الحرب, وكانت المعضلة الإسرائيلية - العربية من أكثر القضايا التي تظهر التناقضات في مواقفه, حيث كان يبدي تعاطفه مع الحاجة لحل الأزمة الفلسطينية, وأعلن أكثر من ألف مرة عن وقوفه إلى جانب إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تتمكن من العيش, لكنه في الحرب على العراق تحالف مع المحافظين الجدد في واشنطن الذين يدعمون الموقف الاسرائيلي بالتمسك بالضفة الغربية ويعارضون بشكل مطلق أي تعبير عن الوطنية الفلسطينية. فهل يستطيع بلير حل تلك التناقضات من خلال ما أسند إليه من عمل جديد, إن الشكوك تدور حول امكانية تنفيذ ذلك إذ على الرغم من إعلانه عما يدور في خلده من مثل وأخلاقيات وما يعلنه من أنه مسيحي مؤمن فإنه يبقى براغماتياً ومدركاً لحقائق الأمور التي تحكم علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة من حيث التعاون معها في جميع المعلومات الاستخباراتية العالمية وشراء الصواريخ البالستية للغواصات النووية, وتشاركها في صناعة الجيل الثاني من الطائرات المقاتلة التي تعتمد على أسرار التكنولوجيا الأميركية, إن ما ذكر ليس إلا غيضاً من فيض العلاقات الاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة, الأمر الذي يحول دون تنفيذ السياسة الخارجية لأي رئيس وزراء بريطاني, لقد عرف بلير تكاليف مواقفه وعلى براون أن يدرك ذلك أيضاً. < الانترنت عن موقعgulfnens |
|