|
الافتتاحية في نهاية المطاف نحن أمام أسئلة تستدعي الإجابة بحكم الضرورة، أو في الحدّ الأدنى تتلمس عتبات ما بعد الصمت الأميركي حول ما يجري الآن، وما قد يجري لاحقاً، حيث الأميركي الذي يرفض التسليم بفشل مشروعه، ينشغل بصورة واضحة في خرائطه البديلة التي تتسرّب عمداً في معظم الحالات. ما يتم تداوله في الأروقة الأميركية أكثر من خطير, في ظل مؤشرات واضحة على أن الرغبة الأميركية لم تعد تتعاطى بمواربة مع أهدافها، بعد التسريبات الأخيرة عن دور غلاتها في تحديد خرائط التحرك خارج المنطقة على غرار ما جرى في داخلها وفق محددات واضحة، تبدأ من حيث وصل الفشل الأميركي لتقوده في سراديب بديلة تحاول من خلالها تحقيق ما عجز عنه طوال الفترة الماضية. على هذه القاعدة لم يعد التداول هنا في إطار التسريبات بقدر ما يعكس واقعاً فعلياً تعمل عليه أجهزة الإدارة الأميركية، كما يحظى بتوافق بين الجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء، ويقدم مقاربة سياسية أبعد مدى من انتظار الإجابة على تلك الأسئلة الغامضة في تحديد مفاعيل الصمت الأميركي المتعمّد، بعد أن كانت التصريحات الأميركية حول ما يجري في سورية وغيرها وجبة يومية، وأحياناً صباحية ومسائية. فالمفردات التي درجت الإدارة الأميركية على استخدامها شهدت بعض التعديل والتبديل في مضمونها، وربما في محاكاتها للواقع، الذي يتم العمل على مقاربته بصيغ ملتبسة وحمّالة أوجه، وتحتمل أكثر من تفسير في الوقت ذاته، بعد أن تراجعت مسألة إسقاط سورية من خندق التصريحات الأمامية لتحلّ مكانها مصطلحات مواربة ومطّاطة تشي بتعديل تكتيكي، لكنه ينطوي على درجة أعلى من العدوانية تجاه سورية، وربما أكثر عدائية تجاه روسيا أيضاً، بحكم ما يقدمه من تصورات تندرج في إطار خدمة الأطماع الأميركية بالنفاذ إلى الداخل السوري والجوار الروسي عبر تمكين مجموعة من التنظيمات الإرهابية لتكون بيدقاً في خدمة تلك الأطماع. هذا ما يتقاطع مع حديث الخرائط الجديدة في المنطقة وخارجها بما في ذلك روسيا والإحداثيات التي تعمل على تثبيتها عبر الإرهاب تارة، ومن خلال أدوات رخيصة مستأجرة وضعت مستقبلها ووجودها ومصيرها ومواردها في خدمة الأميركي وأطماعه تارة أخرى، أو بالاعتماد على الإسرائيلي ومن معه من تلك الأدوات في ثالثة، وفي بعضها يَحْضَر الأميركي شخصياً تحت عناوين تفضحها ما تلوكه ألسنة التسريبات اليوم. قد لا يكون دحض هذه المحاولات قائماً في سياق الرد الإعلامي، ولا في تفنيد سياسي محض، بقدر ما يتعلق بالتخطيط الأميركي المحكوم بسقف الهيمنة التي تتوهّم أنها لا تزال تحتفظ بحضورها على المشهد الدولي، فيما المعطيات على الأرض تكذّبها وتدحضها، بل وتقدم أدلة وقرائن على مؤشرات معكوسة تكابر أميركا في قبولها أو الأخذ بها. الطرح الأميركي وما يسوّق له يعكس ذلك باعتباره إحدى المحاولات المكتوب عليها الفشل مسبقاً، وتريد من خلالها أميركا أن تُطيل أمد هيمنتها، عبر إطالة الأزمات المشتعلة وإحداث مزيد من بؤر التفجّر المتواصلة، لتبقى تدير ما ينتج عنها من خراب ودمار كونه أقصى ما تستطيع فعله اليوم. لذلك قد يكون من المُجدي عملياً الأخذ بما يروّج له أميركياً على أنه جزء من حالة الدعاية الفاشلة بمعنى أن تسريبه فقط من أجل الاشتغال عليه تفسيراً وتحليلاً واستنتاجاً، بما يجنّب الإدارة الأميركية حرج الإجابة على الاستفسارات المتعلّقة بصمتها أو خروجها المبكر من ساحة التعليق على ما يجري، لأن لديها ما تنشغل به في الداخل، حيث ثمة تحديات مصيرية تواجه الإدارة الأميركية في علاقتها المتأزمة مع الكونغرس. فالصمت الأميركي الملتبس الذي يخفي خلفه الخرائط المتفجرة، سواء المسرّب منها أم تلك التي أطلقتها أروقة استخباراته في بالونات اختبار للنيّات والمقدرات، لم يعد أحجية سياسية بقدر ما يعكس إصراراً أميركياً على التصعيد على جبهات متعددة حتى إشعار آخر، تحديداً الروسية التي يُراد لها أن تكون مع بداية العام الجديد حقلاً للاختبارات الأميركية بأدوات تمّ تحضيرها وتستعد لإطلاقها في الجوار الروسي وعلى مقربة من المجال الحيوي المباشر لروسيا، دون أن تتخلى عن إحداثياتها المفخخة في المناطق الأخرى. |
|