|
ملحق ثقافي
بل سوف يتملكه الذهول ويمتلئ حباً حقيقاً ويسخر من كل أنواع الحب الأخرى وينأى عن كل ما يظنه فيما مضى جميلاً وسوف يكون حاله حال أولئك الذين سبق لهم رؤية الصور الروحانية والإلهية فأضحوا لا يأبهون بأي جمال من جمال الأجسام، فكيف إذاً إن رأينا الجمال في ذاته: الجمال الخالص النقي غير المدنس بالمادة والجسد». إن هذا الجمال الأفلوطيني ليس جمالاً أرضياً بالمطلق، ولا يسكن الأرض، إنه مكتف بذاته، وهو الذي يفيض على محبيه جمالاً ويملأهم بالحب. وهذا الفيض يدفعنا إلى التأمل وبالتالي تغمرنا السعادة. والتأمل هو تطلع خلاق للعالم الروحاني، إنه تأمل صوفي، وكما تقول الدكتورة أميرة حلمي مطر في كتابها «في فلسفة الجمال من أفلاطون إلى سارتر»: «وبهذا الوصف الذي وصف به أفلوطين شوق النفس وتطلعها إلى جمال العالم الروحاني قرب بين تجربة التذوق الجمالي وتجربة التأمل الصوفي، بل جعل من تجربة التأمل الصوفي غاية التجربة الجمالية، ذلك لأن الاستجابة الجمالية للفن ليست غاية في حد ذاتها بل تستمد قوتها من كونها دالة على الحقيقة العقلية الروحانية شأنها شأن الاستجابة لجمال الكون والطبيعة باعتبارهما من آثار المبدأ الإلهي المقدس والعلة الأولى التي تلهم نفوس الصوفية بالشوق الدائم والتطلع إلى معاينة هذا المبدأ والاقتراب منه». إن هذه التجربة الفريدة في تاريخ علم الجمال، كانت صوفية خالصة، ظهرت في أشعار كبار الصوفية من مثل رابعة العدوية وابن عربي والحلاج وابن الفارض. وما زالت هذه الأشعار تمثل نبعاً لكل عطش لمعرفة الجمال النقي. إنهم مجموعة من المتطهرين والعارفين والمجتهدين لمعرفة جوهر الوجود الإنساني، وجماليات هذا الوجود. لقد كان أفلوطين حاضراً في التفكير الصوفي العربي، وقد نقل العرب التاسوعات الأفلوطينية، وتأثروا بما حملته من تمجيد للعالم العقلي، فانحازوا عن الطبيعة إلى التجريد وبالتالي إلى الترميز، فالفنان الموهوب – في نظرهم – هو الذي لا ينقل عن الطبيعة بشكل حرفي، وإنما يسترشد بالمثال، وكما يقول أفلوطين، فإن الصناعة تحسن القبيح وتتم الناقص. وبالنسبة إلى العالم الغربي، فإن كلمة فن، نحت باتجاه الصنعة والمهارة وابتعدت عن موضوعة علم الجمال. ووصولاً إلى القرن الثامن عشر، يبرز كانط واحداً من الفلاسفة الذين شغلتهم فكرة الجمال والفن، ووجد كانط أن الفن هو إنتاج صادر عن حرية الإنسان وإرادته. ومع ذلك فلا ينبغي أن نشعر إزاء العمل الفني بأنه عملي صناعي مدبر بل يكون العمل الفني جميلاً بقدر ما يوهمنا بأنه من عمل الطبيعة أو أنه ناتج تلقائي شأن أي موجود طبيعي. ومن ثم فإن العبقرية هي موهبة الفن بما لا يمكن لأي قواعد مدروسة أن توجهه، وإن أولى خصائص العبقرية هي الأصالة، وما تنتجه العبقرية ليس تقليداً بل هو نموذجي يكون مقياساً أو معياراً نقيم على أساسه الأعمال الفنية. يرى كانط أن الحكم الجمالي مجرد مصالحة شعورية تَمَّت على مستويين، الأول فيزيقي عندما تطابقت المخيلة مع الذهن فأنتجت جمالاً، والثاني ميتافيزيقي عندما تطابقت المخيلة مع العقل فأنتجت جلالاً، وبهذا التطابق بين المخيلة والذهن تصبح المخيلة ملَكَةً حرَّةً تُخرج عينات حدسية غير تجريبية هي الأفكار الجمالية التي لا يكافئها أي تصور ذهني أو يفسرها أي تعبير لغوي، بل هي تجسيد في أعمال الفن. |
|