|
ثقافة
إنه الخط العربي الذي استوطن عالم الفنان التشكيلي د. محمد غنوم فكان سفيره إلى العالم، ولكن رغم عشقه للخط العربي توجه في أحيان كثيرة إلى الفن الواقعي والفن الساخر «الكاريكاتير» ورسم وجوها وشخوصا تملك الكثير من القدرة التعبيرية، واهتم أيضا بالتصميم الداخلي والاعلانات وللحديث عن تجربته الغنية والهامة معه كان هذا اللقاء: - تأخذنا خطوطك إلى عالم الدهشة والتصوف، فكيف استطعت أن تنطق الحرف ثقافة وفنا؟ ---- يملك الحرف العربي الدهشة وفي أعماقه يملك التصوف، وأقولها بصدق أني لم أترك الحرف العربي منذ تعرفت عليه في المرحلة الابتدائية، فقد أدهشني هذا الحرف بشكله وصوته، وازداد عشقي له حتى وصل إلى العشق والهيام، وعندما بدأت بالبحث عن تجربة خاصة بي في مرحلة الدراسة الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة لم أجد أمامي ماهو أهم من هذا الحرف ليكون رفيقي في عالم التشكيل، وأقبلت عليه بشغف لأني أدركت أن الطريق الذي سيفتحه لي الحرف العربي هو المبتغى، وبطبيعتي أميل إلى التصوف لأنه هو النقاء الذي يبغيه الإنسان في حياته، ووجدت ضالتي بالحرف العربي الذي جعلني أعيش معه هذه القدسية التي يصنعها ويخلقها التصوف. واليوم وبعد مرور أربعين عاما في البحث والحوار المستمر مع هذا الحرف وجدت أنه يملك من الدهشة والتصوف معينا لاينضب وكنزا مهما غرفت منه فلديه المزيد. - الخط فن وحضارة وإرث الأولين، ما الطريقة لتكريس ثقافة الخط؟ ---- الخط حقيقة هو فن بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى وفي تصنيفه بين المدارس الفنية أقول: إنه فن تجريدي بامتياز، وليس كما يدعي البعض ممن يصفون الخط ويقزمون من عظمته في التجريد المطلق، بأنه أقل شأنا ويحدون من قيمته التشكيلية، ولكن هو فن حقيقي وجزء من الحضارة الإنسانية وضع الأولون الكثير من قواعده وأسسه وبنيانه التشكيلي من مثل «ابن مقلة، ابن البواب، وياقوت المستعصم» مع ظهور الإسلام واختيار اللغة العربية لغة أساسا للقرآن الكريم. وبعد ذلك بدأت المباراة ليكون هذا الحرف بأبهى صوره وتطور هذا الفن ليصبح نتاج ثقافة إنسانية واسعة تستمر إلى يومنا هذا، ولم يقف عند الأولين فقط بل هو تراث متجدد لايقبع على شواهد القبور والأبنية الضيقة والكتب الصفراء والمخطوطات، بل هو يتجدد والتأكيد على ذلك تجربتي التي أخوضها الآن ويخوضها الكثير على ساحة بلدنا الحبيب سورية وعلى مساحة الوطن العربي والعالم جميعه. ولاشك الطريقة المثلى لتكريس ثقافة الخط تبدأ منذ المرحلة الابتدائية الأولى عندما تدفع مناهج وزارة التربية الناشئة لمحبة هذا الخط والعمل مع الحرف، وعندما كنت موجها أول في وزارة التربية عملت جاهدا من أجل تكريس هذا الأمر وفعلا طبعنا العديد من الكتب لتدرس في المعاهد الفنية وأيضا أقمنا دورات عديدة في هذا المجال، ولكن اليوم وللأسف تستبدل حصص الخط بالمواد العلمية الأخرى «رياضيات واللغة العربية وغيرها» ظنا منهم أن تلك المواد أكثر أهمية، مايجعل الطفل لايعرف أهمية الفن العظيم» الخط العربي» والذي يشكل الجزء الهام من هويتنا البصرية، وإهماله يعد ثغرة كبيرة في مناهجنا يتوجب ردمها. - أين تكمن مواطن الجمال في الخط العربي؟ ---- مواطن الجمال موجودة في الخط العربي، في هذا التكوين للحروف التي وكأنها تنزل من السماء إلى الأرض» العمودية» أما الخطوط التي تمتد أفقيا فكأنها تلف عالمنا من اليمين إلى اليسار وبالعكس، فهي تشمل الكون جميعه، وهذا الحرف هبة من الله أعطاها لنا لنعيش عالم الجمال وكتب به كتابه العظيم وجعل العالم يرى هذا الجمال غير المحدود في نطق هذا الحرف وشكله، فكيف نستطيع الابتعاد عنه ونحن العرب الناطقين به وهو مصدر اعتزازنا وفخارنا، وبدوري لم أستطع أن أكرس في حياتي أمرا أكثر أهمية منه، رغم احترامي لكل الفنون التشكيلية، ولاأستطيع أن أقف أمام الحرف موقف الحيادي على الإطلاق لأنه يشكل مصدر فخر لي بين أبناء جلدتي وأيضا في العالم، وهذا ماجعلني أكرر المعارض وأطوف بها في العالم جميعه، على الرغم من الأعباء والجهد الكبير والصعوبات، لأن المعارض تحمل العديد من الرسائل عن جمال الخط وأننا صناع الجمال والسلام. - تميزت مشاركتك الأخيرة في تظاهرة «حوار الأديان» ماهي أصداء هذه المشاركة؟ ---- في تلبية لدعوة من مجلس الأثاقفة الألمان الكاثوليك في بون شاركت في معرض هام ضمن تظاهرة كبيرة تحمل عنوان «حوار الأديان» بدأ المعرض في 4/ أيلول 2019 وسيستمر حتى العام 2020 وزوار المعرض من الخاصة جدا يهتمون بالخط العربي، وكان لي معرض في مدينة هايدلبرغ في غاليري «أرابيسك» وكان لي شرف المشاركة بتأسيسه منذ 15 سنة ووضع شعاره وأسس العرض لتكون أكثر المعارض التي تقام فيها معارض عربية مع مديرة الصالة «ناديا المدرس» من أصول عربية والدها سوري مديح المدرس، وأقمت في هذه الصالة خمسة معارض وأخرها ضم 38 لوحة افتتح في 22 أيلول واستمر حتى 12 ت2 ركزت فيه أن تكون اللوحات في غالبيتها تحمل عنوان «حب» ولي لوحات دائمة العرض فيه، كما أقمت ورشة عمل في الصالة نفسها، وفي ألمانيا شاركت في الكثير من المحاضرات وورشات العمل وفي لوحات دائمة العرض، والمعرض الحالي رقمه 73 من المعارض الفردية. - هل الحركة التشكيلية بخير؟ ----- تأثرت الحركة التشكيلية كما تأثر كل شيء في بلدنا بالحرب الظالمة على بلدنا الحبيب، لكن أقول وباختصار، نعم الحركة التشكيلية بخير لأنها لم تتوقف حتى أثناء الحرب، وإن كان عددها أقل، وأنا ممن تعمدوا المشاركة في المعارض رغم الصعوبات والمعوقات، نرسم والناس يستشهدون لأننا نريد أن نثبت للعالم جميعه أننا صناع الجمال ولسنا صناع قبح وحروب، واليوم نعيش مرحلة الانتصارات والتعافي، والصالات كثير منها تعيد افتتاحها لتواكب المعارض والحركة التشكيلية. ورغم تأثري بالظروف القاسية، سرعان مانهضت وقلت» المقاومة الحقيقية والانتصار لايتم إلا بصنع الحضارات مهما كان الهدم والتدمير قاسيا، ويجب أن نقابل الخراب بالبناء وصنع الجمال، ولانصغي للآراء السلبية، والفن ليس موجها للنخبة فقط بل هو موجه أيضا للناس البسطاء، وعندما تصل رسالتنا إليهم فذلك يعني الاستمرارية، والحركة التشكيلية ضمن هذه الظروف هي بخير. - مامشروعك للقادم من الأيام؟ ----- لدي مايملأ العالم طموحات لكنني أتمنى متابعة تجربتي وأصبح أكثر غوصا وعمقا في عظمة هذه الهبة التي أعطاها الله لنا وللإنسانية، وصحيح أن الحرف العربي خاص بنا نحن العرب، لكن في الوقت نفسه استطاع هذا الحرف أن يصل إلى غير الناطقين بالضاد ويعطيهم الكثير من السعادة، وأنا مع هذا الحرف أسير معه أحاوره وأتحدث معه، أعيش معه في عالم الألوان لأن الحياة هي ألوان. المشاريع كثيرة وأخطط للعديد من المعارض في بلدي الحبيب وفي العالم لأنني ألمس السعادة والبهجة في عيون من يشاهد هذه التجربة، تجربة متواضعة لكنها تجربة مؤثرة. |
|