|
معاً على الطريق يغرق في مقعد وثير , يضطجع حينا عليه وحينا يستوي , لم يتخرج من أي جامعة أو مدرسة , ولايحمل أي شهادة أو وثيقة مهارة سوى جهاز تحكم تلفزيون البلاسما المعلق على الجدار المواجه له , يتنقل بين فضائيات الرقص والتعري بكسل وقلة اهتمام , وبين الحين والآخر يتردد إليه الصبي الأجير حاملا الشاي والقهوة والمثلجات , وبين حين وآخر أيضا تلتئم في حضرته جوقة شطار النصب والاحتيال , يتبادلون أخبار البيع والشراء .. والصيد والقنص !! على الناصية الأخرى من الشارع نفسه , ثمة لافتة تشير الى مؤسسة تعليمية كبرى, معهد أو جامعة أو مدرسة عليا , يتردد إليها الكثير من الطلبة الحالمين أو الواهمين, يدفعون أموالا مستدانة أو مقتطعة من الحصة الغذائية اليومية لعائلاتهم وأسرهم , وبمجرد أن يسددوا حساباتهم ودون أي جهد أو تعب , ودون أي دروس أو امتحانات أو مكتبات أو مخابر من لزوم هكذا مؤسسات , يحصلون على شهادات مسطرة بأكثر من لغة , وموقعة بأحبار ملونة ومختومة بأختام عربية ولاتينية وشعارات علمية ومعرفية , حتى ليظن المرء أن كارل ماركس أو فريدريك هيغل تخرج من تحت هذه اللافتة يوما , لكنهم لايفقهون من اختصاصاتهم سوى العنوان دون شرح أو توصيف ! نموذجان نصادفهما كثيراً هذه الايام وبصور شتى , نتعثر بالأول عند كل منعطف وزاوية , نصافحه ونعد أصابع أيدينا بعد المصافحة أو نتحسس جيوبنا وأوراقنا الرسمية بعد كل معاملة معه . أو يواجهنا الثاني في العمل والدوائر الرسمية كطود من طين جاف يحتاج بحرا من الماء لتليينه وإذابته أملا في تجاوزه , فإذ به يتحول الى وحل يشد اقدامنا ويمنع حركتها .. تعجز عن إيجاد لغة للتفاهم مع النموذج الاول باعتباره تحت الشبهة وفي دائرة احتمالات النصب والاحتيال , ويعجزك النموذج الثاني عن إيجاد تلك اللغة معه , باعتباره فوق اللغات والشبهات , وعصي على الشك والتشكيك بحكم الشهادة التي يحملها ! كلاهما يسرقك وكل بطريقته , وسواء كان المسروق مالا أو وقتا أو طموحا , وسواء كانت أداة السرقة نصبا ومداورة على القانون , أو وضوحا وقحا وتحنيطا للقانون ذاته , لافرق بين لاعب الكشتبان والنموذج الاول سوى الطريقة والادوات , ولافرق بين اللاعب نفسه والنموذج الثاني سوى الهيبة وربطة العنق والشهادة الورقية المزيفة . كلاهما يمنعك من اتهامه أو التشكيك فيه فيبطل حججك ويشطب اعتباراتك , الاول بشطارة النصاب واستغلال الثغرات في القانون , والثاني بهيبة العالم ووقار الحصيف المزيف وسيف حرفية النص والتشريع . كلاهما يصادر فرصتك ويسلبك طموحك , ويضع العصي في عجلاتك أنا اتجهت وأنا راوحت , فلا تعرف لنفسك مخرجا ولا عودة الى مدخل ! والمشكلة ليست في وجود هذه النماذج , فربما توفرت على مثلها معظم مجتمعات الارض وشعوبها , بل المشكلة في طغيان هذه النماذج عندنا , لتشكل القاعدة وليس الاستثناء بسبب تعطل أو افتقاد آليات الفرز والتصنيف أولا وفق الحاجات الحقيقية وضرورات العمل , ثم بسبب التداخل الملتبس بين ربطة العنق وربطة الحذاء ?? |
|