تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خيمة الوطن وحوار الوطنيين

شؤون سياسية
الخميس 30 -6-2011
بقلم الدكتور فايز عز الدين

تتطلع قلوب السوريين، وعيونهم في هذه الأيام إلى الحوار الوطني الذي سوف يكون المميز الأهم لهذه المرحلة من تاريخ الوطن، وحياته-كما أشار السيد الرئيس- ومن المعلوم أنه قد أنيط بمؤتمر الحوار الوطني كل ما يتعلق بتجديد البيئة الوطنية دستورياً، وتمثيلياً،

وأدواراً وصولاً الى وطن التعددية ذات الفضاء الموسع، وإلى تلاحم وطني أوثق يبنى على أساس تجديد العقد الاجتماعي، والسياسي بين السوريين من منطلق أن جبهة الداخل المتلاحمة هي العامل الأهم في انتصار معركة الشعب الوطنية على كافة المجالات، والمستويات، وصولاً إلى تحرير الأرض المغتصبة في الجولان، وبقية الدول العربية ولاسيما حقوق الشعب العربي الفلسطيني في دولته على أرضه التاريخية.‏

ومما يدعو إلى الأسف- في المرحلة العربية الراهنة- أن القوى الدولية المسيطرة قد أحكمت إرادتها على البعض في النظام الرسمي العربي حتى يتم من خلالهم إحداث حالة شلل منظومي في العلاقات العربية-العربية ويصبح المحرك الوحيد للوجود العربي الراهن هو إسقاط النظم وإدخال الجميع في فوضى التشكيل الجديد تحت إشراف أميركا وحلفائها في أوروبا، والصهيونية، ومحاولة أن تأخذ هذه العملية أبعادها في توتير الأجواء الوطنية في البلدان العربية كي وتستولد الشروط المهيئة للتدخل الخارجي، وترتيب الداخل العربي، وفق مصالح الخارج الاستعماري، بما في ذلك من إمكانية الوصول إلى الحروب الأهلية في كل قطر، وتدمير الدولة الوطنية العربية، ولو تحول العرب إلى عشرات الدويلات عندها سيكون الكيان الصهيوني هو المنتصر، والمشروع الصهيوني هو المتحكم بالمصير العربي، وأشكال الحياة العربية في المستقبل، وهذا ما قد تم رسمه في المشروعين المعروفين للشرق الأوسط.‏

وبناء عليه تصبح المسألة ليست فقدان الحرية في النظام العربي، والنضال الشعبي لاستحضارها، بل ضرورة أن يفتقد النظام العربي كلاً، أو جزءاً إذا بقي مصراً على تحرير الأرض من كيان العنصرية، ومقاوماً لأشكال التدخلات الجديدة بالشؤون الداخلية للأقطار العربية على قواعد السيادة، والاستقلال والهوية. وفي هذا المنحى تكون مؤشرات الحاضر العربي، والمستقبل منذرة بأخطار من المستحق عربياً أن تقرأ، وتجترح في سبيلها الحلول.‏

وما حدث في سورية تحت لافتة الحراك الشعبي، أو التظاهر من أجل الإصلاح لم يتصادم مع العقل السياسي والدستوري للدولة، بل كان أحد أشكال حراكها هي بالذات عبر منهج التطوير الدائم، والتحديث المستمر، ولذا فقد أصدر السيد الرئيس المراسيم المستجيبة لإرادة الكل الوطني الواحد تحت راية الإصلاح.‏

ولكن- ورغم صدور المراسيم- ظهرت مجموعات الإرهاب، وعصابات التخريب، وترويع المواطنين، وضرب السلم الأهلي وتحريك المسألة الطائفية حتى لكأن المسألة لم تعد الإصلاح بمقدار ما أصبحت التدمير والخراب للنظام العربي الأقوى في المقاومة، والمواجهة لسياسات أميركا وحلفائها المتصهينين . ورغم أن شعبنا قد قال كلمته في هزيمة التآمر على استقرار سورية، وقوتها، وأمنها الوطني مضرب المثل، إلا أن السيد الرئيس- إيماناً منه باسترداد لحمة الوطن الواحد، والمواطنين الموحدين قد طرح قضية الحوار الوطني كمخرج للجميع، وسبيل لإنقاذ الوطن مما يخطط له من وراء الحدود. وكانت إرادة الحوار، والقناعة بمتحققاته بكل منطق الثقة بالشعب، وقواه الوطنية قد جعلت السيد الرئيس يترك كل تقرير له في نهاية الأمر... فكل ما سيصدر عن الحوار سيكون محترماً في توجه الدولة نحوه.‏

وحين يكون الوطن خيمته، وسقفه لابد أن يأتي هذا الحوار واضحاً، وشفافاً طالما هو بين جميع مكونات الطيف السوري وهو إرادة حشد القوى الوطنية في جبهة واحدة نحو الإصلاح، والتغيير المتوافق عليه. وسيكون في مواجهة المؤامرة وإنهاء استهدافاتها، وستكون هويته رفع راية المواطنة في دولة التقدم، والعلمنة. والديمقراطية، فهو شراكة في التداول والتصور، وتحديد المشكلات، والحلول، والبرامج، وهو دمج وادماج بروحية الفريق الوطني المخلص لقضية الوطن والشعب، والأمة فلا يقبل الإقصاء، ويرفض الارتهان للخارج، ويعزز الشخصية المستقلة وسيادة البلد والشعب على قراره الوطني، وتصورات مستقبله.‏

ومن جوهر الحوار ثقافته المقتنعة بالرأي الآخر، وبالإيجابية، والمستعدة للمسير خطوة دائمة باتجاه الآخر.‏

كما هو الخيط المشترك للتفاهم الوطني، والخط المشترك للعمل الوطني. وللحوار مفاهيم ثلاثة، أو توجهات: الأول يتعلق بالمواطن وماذا يريد؟ ثانياً: المجتمع العربي في سورية وما هي تحدياته؟ ثالثاً: الدولة وآفاق دستوريتها.‏

وعليه فمن المؤكد أن روافع الحوار ستكون: المواطن، والمجتمع والدولة. وعلى هذا التأسيس سيأتي الحوار متعلقاً بمكونات الوطن الواحد، والمجتمع الموحد، والدولة المجسدة للمشروع الوطني الجديد، وبه سيكون الحوار ممثلاً لخيط الربط بين هذه الأقانيم الثلاثة. وحين كانت الإرادة المخلصة للحوار قد أعطت الفرصة-عبر العفو- للذين هم معارضون، وقاطنون في الخارج أن ينضموا إلى قاطرة الحوار بكل منطق القبول بهم، والتسامح من أجل الوطن فإن هذه المبادرة الإيجابية من الوطن الحاضن نأمل أن تقابل بمبادرة مثلها ، ويأتي الجميع الوطني إلى خيمة وطنهم.‏

وبطبيعة الحال سوف تنشأ ضرورات متعددة تواكب الحوار الوطني، وتوازي فعاليته وتفعيله، إن كان من جهة الدولة، أو الشعب، أو قوى الحوار حتى يكون الحوار المنتج العظيم للعقل الوطني والسياسي العظيم، وللمختبر الوطني الذي سيشهد بالسلامة لوطن التداول المشترك في قضايا المصير المشترك والوجود الواحد.‏

ومن أهم متلازمات الحوار أن يتداول بالجيواستراتيجيا الدولية، والإقليمية ومنعكساتها على العرب كأمة، والسوريين كجزء من الأمة ومنظوماتها التاريخية. فالحوار آفاق ترى ما وراء الظاهر، وأسلوب يستخدم طاقة العقل الجماعي، ومدركاته لابد أن تمسك بزمام الحاضر الأقوى ، والمستقبل المأمون.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية