|
آراء وقد ذكر ملحق صحيفة الشرق الأوسط الصادر بتاريخ 23/11/2005 أن المتحف الحربي البريطاني قد نظم معرضاً شاملاً عنه عنوانه: «لورانس العرب... الحياة والأسطورة»، ومن ضمن ما قدمه هذا المعرض وثيقة للورانس مكتشفة حديثاً، وكانت قد قدمت عام 1918 وضع فيها عدة مقترحات لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، كما أبدى فيها اعتراضه على تأسيس العراق الحديث،والذي أسس عام 1921 وهو تحت سلطة الانتداب البريطاني، وكان من رأي لورانس تشكيل حكومة منفصلة في المناطق التي يسيطر عليها العرب، وحكومة أخرى في مناطق الأكراد. ويقول الكاتب نجمي عبد المجيد: من المنطلق الموضوعي لسياسة بريطانيا تجاه العالم العربي، ومشروع تقسيم المنطقة حسب مناطق المصالح والنفوذ وأهميتها في دائرة الصراعات الدولية، أطلق لورانس عبارته الشهيرة: «من يملك الشرق... يملك العالم». كما ينقل الباحث«زهدي الفاتح» قولاً لكل من فيليب نايتلي وكولين سمبسون مؤلفي كتاب الوقائع السرية في حياة لورانس العرب أن الصهاينة الذين كانوا يمولون لورانس، كانوا يباركون أيضاً خطته القائمة على أن من مصلحة بريطانيا الإبقاء على الشرق الأوسط(المقصود بذلك المشرق العربي) منقسماً على نفسه، مفتتاً إلى دويلات متناحرة متنافرة بعد القضاء على عامل توحيدهم وتماسكهم. لقد جاء في تقرير سري للورانس العرب بعنوان(احتلال سورية) ما يلي حرفياً:(إن شئناً ضمان السلام في جنوب سورية، والسيطرة على جنوب بلاد ما بين النهرين وجميع المدن المقدسة، فيجب أن نحكم دمشق مباشرة). وبالعودة إلى كتاب لورانس(أعمدة الحكمة السبعة) والذي بدأ كتابته في أوائل عام 1919، نتعرف على وجهة نظره نحو العرب والمسألة الشرقية من خلال رؤيته للوضع الجغرافي لهذا المكان، ومن منطلق هذا التعرف القائم على الصلة بين المصلحة الغربية والهدف الشرقي نستشفه من هذه الكلمات المعبرة عن طريق العمل السياسي الإنكليزي مع الواقع العربي حيث يقول: إذا لبست اللباس الشرقي فكن شرقياً بكل معنى الكلمة، اترك على الساحل كل ما هو إنكليزي، وتبن العادات الشرقية بكاملها. من خلال هذه الكلمات على نوعية الغربي القادم إلى هذا المكان عليه التجرد من كل صفات الهوية الغربية، والاندماج التام مع هوية الشخصية العربية للدخول إلى المركز الحساس في العقل العربي. يقول القائد العسكري«صبحي العمري» في كتابه لورانس الحقيقة والأكذوبة:(إن العمل الذي كلف به لورانس خلال الحرب وبعدها هو واحد...خديعة العرب أثناء الحرب وتسهيل وقع هذه الخديعة عليهم بعد الحرب، فقام بشطرها الأولي في ميادين الثورة بصفة ضابط، وقام بأداء مهمته في شطرها الثاني في أوروبا بصفة مترجم. كان لورانس يؤمن بأن الثورة العربية هي تقطيع أوصال الدولة العثمانية، وإيقاع الخلاف بين العرب والترك، وفتح الطريق أمام الصهيونية إلى فلسطين، وقد أهدى لورانس كتابه(أعمدة الحكمة السبعة) إلى سارة أرنسوهن الجاسوسة اليهودية التي ألقى الأتراك القبض عليها في الناصرة أثناء الحرب في فلسطين فانتحرت حتى لا تبوح بسرها. وبالرغم من مرور كل هذه السنوات على رحيل لورانس، إلا أن التاريخ والقادة والأحداث في العالم الغربي وكذلك العربي تحاول الاقتراب والكشف على أعماله وأهدافها في هذه المنطقة، ودلت المعلومات الجديدة بأن الفكر السياسي للورانس لم يقف عند حدود المرحلة التاريخية التي عاش بها بقدر ما امتلك القدرة على الامتداد نحو عالم اليوم وما يشهده الشرق الأوسط من صراعات وعودة للهيمنة الغربية من منطلق إعادة صياغة جغرافية العالم العربي، ومازالت شخصية لورانس الأسطورية تقود مطامح الغرب نحو الشرق، ومازال كتابه أعمدة الحكمة السبعة يشد عقول أهل السياسة الغربية إلى المغامرة في بلاد العرب، ومن جملة ما قيل عنه هذه الكلمات في مجلة العلوم السياسية إنه مستند من الطراز الأول، وذو أهمية كبرى عن هذا العالم العربي الذي قد يؤدي غليانه إلى رد انعكاسات عميقة على كل ما سيأتي به عالم ما بعد الحرب. لقد بحثت أميركا كثيراً والغرب من ورائها عن الوصفة السحرية في خلخلة الأنظمة العربية أولاً، وإحلال الفوضى فيها ثانيا، فلم تهتد إلى ضالتها إلا من بعد العودة إلى التاريخ ونبش الكتب الفلسفية ونظرياتها المعقدة، وبالأخص المتعلقة بعلم المجتمعات «السوسيولوجيا»، كما عادت إلى الأفكار التي تبنتها الاستخبارات البريطانية في بداية القرن السابق، ومنها أفكار لورانس العرب ذاته. فجاءت خطوتها الأولى نحو مشروعها الشرق أوسطي الجديد، في السودان عام 2009، حيث كان الرئيس البشير أول رئيس دولة تصدر المحكمة الجنائية أمراً باعتقاله أثناء وجوده في الحكم!! فجاء التعليق الروسي في يومها وهو يعتريه الذهول قائلاً: (إن استصدار هذه المذكرة في حق الرئيس السوداني يعد سابقة خطيرة). فكيف أن النظام العنصري في جنوب إفريقيا لم يحاكم؟! وكذلك كيف لم تصدر مذكرات الاعتقال ضد القيادات الإسرائيلية التي ارتكبت الجرائم والفظائع في لبنان وفلسطين؟! وفضلاً عن ذلك فإن محكمة الجنايات الدولية لم تحاكم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الذي احتل العراق وتسبب في قتل مئات الآلاف من العراقيين العزل بحجة امتلاك بغداد لأسلحة الدمار الشامل التي بينت الوقائع أنها غير موجودة إطلاقاً؟! لقد استطاعت الأنظمة الغربية في الأعوام الخمسة الفائتة أن تجعل المنظمات الأممية حصان طروادة لأجل الولوج إلى الشرق الأوسط الجديد فدعمت المنظمات وبقوة غير معهودة، وبالأخص المنظمات الداعية إلى الحريات الفردية، فتفاعلت هذه المنظمات وبدأت تدعم وتكثف من نشطائها الحقوقيين، حتى أصبحت تتدخل في إصدارات الأحكام القضائية في دول الشرق الأوسط، مهددة الدول برفع تقارير لمنظماتها، كمنظمة العفو الدولية مثلاً، لتتخذ الإجراءات اللازمة وما يتبعها من دعاوى على المسؤولين في هذه الدول. إننا اليوم في قلب المؤامرة وهي مؤامرة واقعية لا نظرية تستهدف كياننا السوري، تستهدف شعبنا بكل أطيافه، تستهدف لحمتنا الوطنية ونسيجنا الاجتماعي، تستهدف تعايشنا الحضاري بعضنا مع بعض، لذا يجب علينا جميعاً أن ندرك خطورة الوضع الذي نمر به، ونتداركه سريعاً ونفوت بالتالي الفرصة أمام أعدائنا بإيمان صادق، وبعزيمةٍ قوية. |
|