|
ثقافة وفي السياق نفسه نقول ما يحدث في عالم غير المثقفين يحدث في عالم المثقفين..
وهنا بالتأكيد نميز بين المتعلم والمثقف، فليس بالضرورة كل متعلم مثقفاً، ولا كل مثقف متعلماً. من هنا يجب طرح السؤال التالي من هو المثقف ومادوره... ولماذا نفتح اليوم هذا الملف للحديث عن دوره في الأزمة التي تمر بها سورية، وهي أزمة ستغير وجه العالم، وبالوقت نفسه أزمة كاشفة للحقائق والمواقف...؟! لن أدّعي أنني قادر على تقديم تعريف جامع مانع للمثقف فعشرات الكتب والدراسات خرجت في هذا الاطار وإن كنت أدعو الى ضرورة العودة الى المعاجم لمراجعة الجذر اللغوي لكلمة (ثقف) والاطلاع على معانيها ودلالالتها ودلالتها الأولى. من المثقف...؟! في كتاب جميل حمل عنوان: دفاعاً عن المثقفين، تأليف: جون بول سارتر، ترجمة د. مصطفى دندشلي، يطرح سارتر هذا السؤال ويقوّم إجابات واسعة سأحاول قدر الإمكان الاشارة الى أهم الخطوط العريضة لها. في حديثه عن موقع المثقف يقول سارتر: إن لم ندخل في الاعتبار سوى الانتقادات التي توجّه الى المثقفين لوجب أن يكون هؤلاء من كبار المذنبين، ومن جهة أخرى فإن ما يدهشنا، بل وما يصدمنا هو أن هذه الانتقادات هي نفسها في كل مكان، في اليابان...
يخيل إلينا خاصة ما بين أعوام 1945- 1950 أن المثقفين كانوا قد استولوا على السلطة السياسية واقترفوا من الشرور والموبقات الشيء الكثير، وإذا قرأنا صحافتنا الفرنسية في المرحلة الزمنية ذاتها يبدو لنا أيضاً وكأن المثقفين قد سادوا في فرنسا وأثاروا كوارث جمّة. ويضيف سارتر: إنكم تقولون، هنا في اليابان إن وجود المثقفين إنما هو من أجل المحافظة على الثقافة ونقلها وتواصلها، فهم إذن في جوهرهم محافظون، غير أنهم قد أخطؤوا في النظر الى طبيعة وظيفتهم وفي لعب دورهم، فأصبحوا ناقدين وسلبيين، ولم يروا في هجومهم الدائم المتواصل ضد السلطة إلا الشرور والعيوب والمثالب في تاريخ بلدهم، وهم في النتيجة قد أخطؤوا في كل شيء، ولقد كان من الممكن أن لن يكون ذلك خطراً عظيماً فيما لو أنهم لم يخدعوا الشعب في ظل الظروف العصيبة والأوضاع الخطيرة. وفي نقاش فقرة ما يقول سارتر: فها هم إذاً غير فعّالين، وغير مؤثرين، إنهم متقلبون، ومتذبذبون، ومع عدم امتلاكهم شيئاً من القوة الاقتصادية أو الاجتماعية إلا أنهم يعتبرون أنفسهم نخبة، وهي نخبة مدعوة الى أن تحاكم كل شيء وتبدي رأيها وتحكم في كل الأمور، وهذا ما ليس هو حالهم.. من هنا أخلاقيتهم ومثاليتهم. وبعد عناء البحث والغوص يصل سارتر الى تقرير الآتي حول المثقف: فالمثقف، إذن هو الانسان الذي يدرك بوعي في داخله وفي المجتمع ذلك التعارض بين البحث عن الحقيقة العملية وبين الايديولوجيا المسيطرة.. ويخلص الى القول: فالمثقف، بما أنه نتاج المجتمعات الممزّقة، فهو شاهد عليها ذلك لأنه قد استبطن تمزقاتها فيكون والحالة هذه نتاجاً تاريخياً، فليس هناك بهذا المعنى من مجتمع يمكنه أن يشتكي من مثقفيه وينتقدهم دون أن يتهم هو نفسه بنفسه ذلك لأن ليس له إلاّ أولئك المثقفون الذين يضعهم ويخلقهم على صورته. وماذا عن مثقفينا..؟! لنتفق مع سارتر أن المثقف صورة مجتمعه، وهو خير من يمثل... فهل كان مثقفونا هذه الصورة التي يتحدث عنها سارتر.. لنا أن نسألهم: ماذا فعلتم.. ماذا قدمتم.. بل ربما من الأفضل أن يكون السؤال كيف انكفأ الدور ولمصلحة من..؟! مؤسسات ثقافية، ومبدعون، شعراء، روائيون، كتاب، موسيقيون الى ما في القائمة كثيرون فهم مثقفون إذ ليس بالضرورة كما أشرنا أن يكون المبدع مثقفاً.. على أرض الواقع لم يثمر العمل الابداعي والثقافي.. وبالمناسبة ليس هذا الحدث السوري، بل العربي كلّه.. غاب التنوير غاب التفاعل الخلاّق، ولم يعد المثقف قادراً على التأثير أبداً بل إن بعضهم ينتظر الى أين تسير الأمور، وكأن الوطن حقيبة يتم تداولها بين هذا وذاك.. أم إننا نظلم المثقفين لأن الأحوال قد تغيرت وتبدلت، ولابدّ من نهضة تنويرية جديدة، لابدّ من وضع استراتيجية حقيقية تنهض بالمجتمع ثقافة ووعياً وتعيد للمثقف دوره الفاعل في مجتمعه لاأن يكون بوقاً للخارج.. ملفنا المفتوح يحاول أن يستطلع آراء من يعنيهم الأمر حول دور المثقف أين هو وماذا فعل لعلّنا ننجح.. |
|