تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المصطلح الفريد

ساخرة
الجمعة 1-7-2011
معتصم دالاتي

في إحدى المرات كنت أقف على الرصيف أقرأ إعلاناً على أحد الحيطان. وكنت يومها شاباً ومتحمساً للثقافة وما يتبعها من حوائج. وإذا بصوت من ورائي يقول: ولك ابني شو مكتوب عالحيط؟.

التفتُّ إلى مصدر الصوت، وإذا بامرأة عجوز تلبس اللباس الشعبي القديم للنسوان، والذي كنا نسمه «ملاية زم». وكانت قد رفعت عن وجهها طرف المنديل الأسود الذي هو جزء من الملاية الزم.‏

أجبتها بلهجة المثقفين الذين كنت أنتمي إليهم وأحشر نفسي بينهم : هذا إعلان عن أمسية شعرية، قالت: ولك ابني وين هاي اللي عم تقول عنها؟ قلت: هون، بالمركز الثقافي واسمها أمسية شعرية، فتساءلت بدهشة: يه.. ليش هون عنا بيساووا شعورا؟ أي بيعملوا شعر؟‏

أعجبتني كلمة « شعورا» وأذعتها بين الأصدقاء، وصرنا في بعض المناسبات نستعمل كلمة «شعورا» دلالة للشعر أو الشاعر الرديء. «ملاحظة مهمة» كل من يسمع كلمة «شعورا» عليه أن يعترف أن هذا المصطلح الذي شاع بين المثقفين والشعراء، هو مصطلح خاص بتلك العجوز الأمية، وليس لأحد أن يدعي أن هذا المصطلح هو له أو من تأليفه أو من بنات أفكاره، فلعل هذه المرأة العجوز التي قد تكون الآن بين يدي الحق، لن تسامح من يسرق لها أفكارها وينسب لنفسه ملكية المصطلح الخاص بها وحدها.‏

منذ مدة حضرنا في المركز الثقافي ثلاث أمسيات شعرية على مدى ثلاثة أيام متتالية لشعراء وكان عددهم عشرين شخصاً، وكلهم أعضاء مسجلون في القيود النظامية لاتحاد الكتاب العرب، فالجهة الراعية هي فرع الاتحاد، أما المركز الثقافي فهو الجهة المضيفة بالكراسي والمكان والمنبر والميكرفون، ولم يسجل في تلك الأيام الثلاثة أي غياب لأي من هؤلاء الشعراء المشاركين.‏

وكما هي العادة في كل ملتقى أو مهرجان أو أمسية لمجموعة شعراء فإن المستوى الشعري للشعراء المشاركين يتراوح بين الجيد والرديء وما بينهما من وسط وضعيف ولا بأس وناجح شحطة وراسب بكفاءة أو أحسن من غيره أو مقبول أو راسب ويعيد، وسواها من تلك التصنيفات أو الفذلكات.‏

وإذا كان الشعر الجيد والشعر الرديء هما كالحلال والحرام، كلاهما بين وواضح، وغالباً ما يتفق عليه أهل الرواية والفهم بهذه المصلحة، غير أنه لا يمكننا أن ننكر أو نصادر أذواق الآخرين، وأعرف شخصاً، ويعرفه غيري، وهو مثابر على حضور المهرجان الشعري السنوي لرابطة الخريجين الجامعيين بحمص. وهذا الشخص يتلقف أكثر الشعراء رداءة في المهرجان، حيث يصطاد أكثر قصائد هذا الشاعر رداءة ويبدأ بالتصفيق الحماسي عند المقطع الأكثر رداءة من تلك القصيدة الرديئة لذاك الشاعر الرديء.. يرجى من الجميع عدم محاسبة الناس على أذواقها، فكل معجب بذوقه ولا يقايض عليه بأي ذوق آخر.‏

في إحدى تلك الأمسيات الثلاث، وبعد أن اجتزت المدخل الرئيسي للمركز، التقيت بمدير الثقافة، فسألته مشيراً إلى الحاجز الحديدي الذي يفتح ويغلق بواسطة الكهرباء، أو ربما بالدفش: أستاذ معن.. هذا الحاجز الحديدي الذي يقف بوجه السيارات وربما يعترض الدبابة المصفحة، ترى هل يستطيع الوقوف بوجه شاعر رديء؟‏

أجاب الأستاذ معن: لا، قلت: إذاً ما فائدته ؟ فابتسم الرجل وحرك يديه وكأنه يقول: إذا كنت تعرف حاجزاً قوياً يستطيع أن يقف بوجه هذا الشاعر الرديء الذي يسعى بين الصحف والمنابر، محملاً بأكداس«الشعورا» كما ورد في مصطلح المرأة العجوز، فأخبرني، وربما يتم تعميمه على كل مكان فيه منير لاستقبال مختلف صنوف الشعراء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية