تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ظرفـــــاء دمشــــــق

ساخرة
الجمعة 1-7-2011
لاشك في أن العرب هم من أقدم الأمم الظريفة الضاحكة. برهاننا على ذلك العدد الكبير من الأدباء والظرفاء، وفي مقدمتهم سيد البيان العربي الظريف المثقف الجاحظ

ثم أبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني والحريري وابن الجوزي، وأولئك الشعراء الظرفاء وفي صدرهم أبو نواس وبشار بن برد وأبو دلامة وابن الحجاج وسواهم كثيرون.‏

وها هو ذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «روّحوا عن النفوس في الحين بعد الحين فإن النفوس إذا كلت عميت»، ومن بعده قال ابن الجوزي: «لما كانت النفوس تمل من الجد لم يكن بأس من إطلاقها في مزح ترتاح به». (1)‏

ونقل عن الزهري قوله: «هاتوا من أشعاركم، هاتوا من طرفكم، أفيضوا في بعض ما يخف عليكم وتأنس به من طباعكم».‏

من هو الظريف‏

ولقد أفاضت المعاجم في تعريف الظرف والظرفاء، فالظريف هو الكيس الحاذق حسن الهيئة والظرف هو البراعة والكياسة وذكاء القلب، بل ذهب بعضهم إلى أن الظريف أمين غير خائن.‏

وينقل الزمخشري في «أساس البلاغة» (2) عن عمر (رضي الله عنه): إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع، أي كيساً يدرأ الحد باحتجاجه.‏

وفي «أقرب الموارد» (3) يذهب الشرتوني إلى أن الظرف لا يوصف به إلا الفتيان الأزوال والفتيات الزولات لا الشيوخ ولا السادة والزول كما يعرفه الشرتوني نفسه هو الخفيف الظريف الفطن وهو أيضاً الشجاع والجواد. ثم يستطرد قائلاً: إن الظريف هو البليغ جيد الكلام. والكلام أكثر من أن يكذب ظريف (4).‏

أي إن الظريف لا تضيق عليه معاني الكلام، فيكف ويعرض ولا يكذب.‏

الظريف أنيق أيضاً‏

ويذكر ابن الجوزي (5) في وصف الظرف صباحة الوجه ورشاقة القد ونظافة الجسم والثوب وبلاغة اللسان وعذوبة المنطق وطيب الرائحة وخفة الحركة وقوة الذهن وملاحة الفكاهة والمزاح.‏

وفي حديثه عن أناقة الظرفاء يقول ابن الجوزي: «كان خلف بن عمرو العكبري من كبار العلماء، له ثلاثون خاتماً وثلاثون عكازاً، يلبس كل يوم من الشهر خاتماً ويحمل عكازاً، فإذا نفد الشهر استأنف الأول .(6)‏

ظرفاء دمشق في القرن العشرين‏

على أن هذه المعاني المتعددة للظرف والظرفاء كادت تختفي في عالمنا المعاصر فلم تعد صباحة الوجه ورشاقة القد ونظافة الجسم والثوب وطيب الرائحة والأناقة، من أوصاف الظرفاء ذلك أن أطياف هذه الكلمة كادت تقتصر على «خفة الحركة وقوة الذهن وملاحة الفكاهة والمزاح» ولا جدل في أن الشعب السوري عامة والدمشقي خاصة تنطبق عليه هذه الأوصاف تماماً، وتلاحظ في ما يسمى: خفة الظل وتذوق النكتة والفكاهة والنادرة وإبداعها حتى عرف القرن العشرون المنصرم عدداً من الظرفاء الدمشقيين قل أن يوجد مثلهم في أي مجتمع آخر.‏

ولا يمكن أن يدور مثل هذا الحديث دون أن نتذكر ماقاله الكاتب الراحل عبد الغني العطري في كتابه «دفاع عن الضحك» (7) عن أهل دمشق فهم «يعشقون النكتة ويلتفتون حول من يتقنها، يولمون له الولائم السخية ويحيون السهرات والليالي الملاح ويجمعون الأهل والخلان للإصغاء إلى طرائفه ونوادره التي تبدأ عادة في المساء ولا تنتهي إلا عند منتصف الليل.‏

الحواشي:‏

1- أخبار الظراف والمتماجنين- ابن الجوزي- دار الكتاب العربي- دمشق‏

2- أساس البلاغة- الزمخشري- دار الكتب المصرية- القاهرة 1922‏

3- أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد- سعيد الخوري الشرتوني- المطبعة اليسوعية 1889‏

4- نقله ابن الجوزي عن ابن سيرين.‏

5- أخبار الظراف والمتماجنين- ابن الجوزي‏

6- المرجع السابق‏

7- دفاع عن الضحك- عبد الغني العطري- دار البشائر- دمشق 1993‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية