تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لاتشح وجهك عندما يتكلّم الآخرون...ثقافة الإصغاء لما يخالف رأينا أفضل من البحث عن التصفيق لما نقوله

شباب
4/7/2011
غانم محمد

عندما قالوا (إن كان الكلام من فضّة فإن السكوت من ذهب) لم يعنوا ولم يقصدوا بأي حال من الأحوال أن الصمت هو المطلوب منّا أو أنّه مدعاة للفخر

والغنى، وإنما أرادوا أن يرشدونا إلى ما فيه صالحنا وخيرنا بضرورة أن نسمع أكثر مما نقول ولله سبحانه وتعالى حكمته في هذا الأمر عندما خلق للإنسان أذنين ولساناً واحداً ولكن هل نمارس هذا السلوك حقاً؟ وإن مارسناه فهل نستطيع أن نسمع الصوت الآخر باحترام وببحثٍ عن الفائدة فيه؟‏‏

هل نستطيع أن نتقبّل الآخر كما هو لا كما نريده، ونفهمه وفق قناعاته هو لا وفق قناعاتنا نحن دون أن يلغي هذا الأمر رأينا؟‏‏

لا تستطيع أن تكون أنتَ أنا، ولا أستطيع أن أكون أنا أنتَ، وعلى بساطة المسألة التي نريد مقاربتها إلا أنها تبدو معقّدة من حيث فهمها لدى الكثيرين!‏‏

لنبدأ من الحلقة الأصغر ونعني الأسرة، هل نفهم أبناءنا على أنهم غيرنا وأنهم مختلفون عنّا كليّاً وأن صوت فريد الأطرش على سبيل المثال لا يحرّك فيهم أي ساكن ونقتنع بالوقت ذاته بضرورة احترام ذوقهم ودفاعهم عن مطرب (حديث) يرقص أكثر مما يغّني!‏‏

هل نفهم ونقدّر (نقّ الحماوات) ونحترم ما اختزنه من ثقافة لا تمتّ لواقعنا الحالي بصلةٍ ونضع (وأتكلم هنا بلسان السيدات) أنفسنا مكانهن ونحكم على الأمر الذي نختلف عليه حالياً؟‏‏

هل يخجل أحدنا من أمه السبعينية إن أكلت دون شوكة وسكّين أمام ضيوفه أو في أحد المطاعم أم هذا الـ (أحدنا) وضيوفه أيضاً يحترمون هذا الآخر كما هو دون الحاجة لأي تبريرات خجولة في بعض الأحيان؟‏‏

من هذه الأمور البسيطة في الحياة والتي قد تسيطر علينا في بعض الأحيان ننتقل لتعميم السؤال في مدى أبعد وأعمق من الاختلاف قد يعتبره البعض عداءً وهنا تبدو المسألة أكثر عسراً على الهضم..‏‏

سأمرّ من خلال هذا التساؤل على ما عشناه ونعيشه في سورية من أحداث وأكرر السؤال ذاته مع الإشارة إلى أننا نحن (الآخر) في نظر من نعتبرهم نحن طرفاً آخر، فهل أضعنا كلّنا مفردات هذا الحوار المطلوب؟‏‏

لا أتحدث هنا عن مؤسسات حكومية ولا عن أحزاب أو أي جهات منظّمة وإنما عن عامة الناس مجرّدين من أي صبغة رسمية، أنا وجاري، أنتَ وجارك، أيّ منكم مع أي شخص آخر لا يتفق معه بالرأي؟‏‏

لتقنع شخصاً تختلف معه بالرأي جرّده من أدواته باعترافكَ بها، لأنك عندما تعترف بأدواته (الفكرية أو المادية) وتنتقده على أرضية اعترافك به من خلال أدواته واحترامك لهذه الأدوات تسلبه الحجة التي سيردّ بها عليكَ أو تقطع عليه طريق انقضاضه عليكَ..‏‏

كان الملاكم العالمي المشهور محمد علي كلاي بطل العالم بالملاكمة لعدة سنوات يقول لمنافسه: اضرب.. اضرب.. أعرف أن لكمتك قوية، إلى أن يستنزف معظم قوة منافسه فينهمر عليه بالضربة القاضية ويخرج فائزاً على الحلبة، ولم يستخفّ يوماً بمنافسه ولهذا تحوّل إلى أسطورة على الحلبة..‏‏

هل سنُصدم حقاً إن كان بيننا من يخالفنا الرأي فيما يحدث في بلدنا وهل نعتقد أن الجميع على مسافة واحدة من وعي هذه الأزمة؟‏‏

الحالة الصحيّة هي أن نختلف فيما يحدث، أما ما هو مطلوب منّا فهو أن نتفق على ضرورة الخروج من هذه المحنة وأن نتبادل الرأي بمفردات الأزمة دون تخوين ودون إلغاء لأحد ومن حقّ كلّ منّا أن يقرأ الأحداث كما يراها ومن واجب كلّ منّا أن يحترم رؤية الآخر لهذه الأحداث.‏‏

انتبهت وسائل الإعلام متأخرةً لهذه المسألة وبدأت تزيد المساحات المخصصة لكل الآراء وهي التي ظلّت عقوداً طويلة معتمدة على سياسة التلقين من فوق إلى تحت الأمر الذي أفقدها الكثير من مصداقيتها ومن قوة تأثيرها وقد تتأخّر مرّة أخرى ولكن هذه المرة باستعادة هذا الدور الكبير..‏‏

من هو الآخر؟‏‏

لا نتحدث هنا عن عدو أو عن خصم، وإنما عن شريك بالوطن نختلف معه من أجل هذا الوطن لا على الوطن، شريك يكمّل وجودنا ولا يلغيه، شريك يجعلنا ننتبه لتفاصيل عملنا فنقلل مساحة الخطأ فيه الأمر الذي ينهض بالوطن ويعزز وحدته وقوته وتماسكه...‏‏

الآخر قد يكون ابنكَ أو زوجتكَ فهل يمكن لأحدهما أن يلغي حضورك، وهل ستكون مقنعاً إن قمتَ أنت بدور الاثنين وتحدثتَ بالنيابة عنهما؟‏‏

هذا الآخر نقبله وعليه أن يقبلنا، نسمعه ويسمعنا، نحترمه ويحترمنا، ومَن منّا يمتلك فنّ الإصغاء الجيّد والفهم لأدوات الآخر هو الذي يستطيع أن يمرر قناعاته ويكسب مؤيدين لهذه القناعات وبالتالي يمكن أن يحوّلها إلى أدوات عيش للجميع.‏‏

كمؤسسات دولة، فإنه لا يصعب على أي متابع ملاحظة تفهّم الدولة للمعارضة الحقيقية الغيورة على الوطن، وكم كان مريحاً لنا كمواطنين نؤمن بهذا البلد انعقاد اللقاء التشاوري لشخصيات معارضة في فندق سميراميس قبل أسبوع من الآن، لكن هل يقبل بنا الآخرون (وأعني هنا المعارضة) كمؤيدين للدولة ومؤسساتها وقائدها دون الاستخفاف بموقفنا ودون التشكيك بهذا الموقف؟‏‏

لا أسجل هنا موقفاً شخصياً، وإنما أحاول قدر الإمكان نقل نبض الشارع الشبابي في محافظة طرطوس من خلال لقائي العديد من الشباب سواء في مواقع العمل أو في جلسات عادية أو أثناء الفعاليات الجماهيرية المدافعة عن الدولة وعن مؤسساتها، بل وقد اتُهمنا بأننا نفسح المجال للرأي الآخر – من وجهة نظرهم – أكثر من الرأي المؤيد بالمصطلحات الدارجة..‏‏

ما أستطيع أن ألخّصه من هذه اللقاءات يبدو إيجابياً للغاية حيث إن القسم الأكبر من شبابنا يفرّق بكثير من الوعي بين المعارضة وبين المخرّبين وبالقدر الذي يقبل به ويحترم فيه وجود المعارضة بكلّ ما تحمله من أفكار قد تتناقض مع أفكارهم بالقدر الذي يرفض فيه أن يبقى في سورية أي مخرّب وهم على أتمّ الاستعداد لفعل أي شيء يلغي وجود أولئك المخربين ويمهّد الأجواء الإيجابية لحضور الحوار الوطني دون أي شروط مسبقة على أرضية المصلحة الوطنية وتحت سقف الوطن.‏‏

المسألة الأخرى هي أن قسماً كبيراً من الشباب تمنّى وجود حوار وطني حتى بين المؤيدين أنفسهم (نضطر لاستخدام هذه المصطلحات للتفريق والتوضيح) لأنهم هم أيضاً لديهم ملاحظات على عمل مؤسسات الدولة ومن هنا تمنّوا أن يجول السادة الوزراء على جميع المحافظات ولقاء الأخوة المواطنين والاستماع إلى ما يفكرون به وما يرون فيه سبيلاً للإصلاح والتلاقي بين المواطن ومؤسسات الدولة.‏‏

عندما نلتفت للصوت الآخر ونصغي إليه ونفكّر ملياً بما يحمله من أفكار لا يعني هذا أننا تخلّينا عن صوتنا أو أنه علينا أن نزيد من وتيرة صوتنا بحثاً عن تصفيق قد يرضي غرورنا، وإنما يعني احترامنا لأنفسنا واهتمامنا بهذه النفس من خلال تحصينها بمضادات حيوية للأسلحة الفكرية أو التضليلية التي قد تُوجه إلينا.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية