تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الســلطة غيـر الســياســـية

معا على الطريق
الثلاثاء 6-10-2009م
د.أحمد برقاوي

اعلم أن السلطة السياسية هي السلطة التي تحكم الناس «المجتمع» بنظام سياسي ينتجها أو تنتجه وتعبر هذه السلطة سواء جاءت ثمرة النظام الديمقراطي أم ثمرة القوة التسلطية أم ثمرة أي شروط أخرى سلطة آمرة.

لكن الدولة ليست سلطة سياسية فقط،بل مؤسسات إدارية تقوم بتنظيم حياة الناس اليومية وإدارة شؤونهم المدنية. كالسجل المدني والعقاري والقضاء والتعليم والبنوك، والمؤسسات الأخرى المشابهة.‏

إن أخطر ماتتعرض له هذه المؤسسات المدنية - غير السياسية - حين ينظر العاملون فيها إلى أنفسهم بأنهم شكل من السُلط القادرة على التصرف والأمر كما يحلو لها. ولايكون الفرد قادراً على حمل أي عامل من عمال الإدارات أن يسلك وفق وظيفته في إدارة شؤون الناس وتحقيق مصالحهم الحياتية.‏

تأمل المشهد التالي: تدخل إلى دائرة تسأل عن مصير قرار ما ويجيبك الموظف لقد وُقع القرار وهو الآن في الدائرة «س»، تذهب للدائرة « س» تسأل الموظف عن الكتاب: يقلب الأوراق الذي أمامه، ويجيبك، لاوجود للقرار.‏

وحين تبلغه بأن الدائرة إكس قالت إنه وصلكم،يزمجر في وجهك، وبعد جهد وتعطف يخرج لك القرار من مكان ماعلى طاولته. ثم ينظر إليك قائلاً: عد غداً لأن الدائرة التي يجب أن تسلمها القرار قد أقفلت. ثم تذهب إلى الدائرة التي قال لك إنها أقفلت فوجدتها تقوم بعملها. ثم تعود وهكذا.‏

مالذي فعله الموظف ولماذا فعل. إنه عملياً قرر أن يمارس سلطة عليك تحقق له شهوة الحضور، وفعل ذلك لأن نظام الإدارة لم يصل بعد إلى حالته المدنية لأنه أوحى للموظف بأنه سلطة تسلطية.‏

ثم تخيل أن يكون الجهاز الإداري للدولة الذي يطلق عليه البعض المستوى المؤسساتي للدولة غير السياسي يعمل بهذه الآلية.‏

وقد تزداد هذه الآلية السلطوية تسلطاً إذا كان انتقاء المسؤول الإداري انتقاء على أساس سياسي.‏

فيكون المسؤول الإداري مسؤولاً إدارياً وسياسياً معاً وعندها فإن التشوه في عمل الإدارة الذي انتدبت هذه الإدارة من أجله وانتدب الموظف لتسيير عملها سيصل إلى حده الاقصى.‏

وقائل يقول: إن الموظف في كل الاحوال يمارس سلطة القانون. وبالتالي هو شكل من أشكال السلطة.‏

إن الموظف السلطة لا يمارس سلطة القانون بل يمارس سلطته المتناقضة مع القانون. لأن الأصل في القانون حماية الانسان من أي اعتداء كان.‏

والموظف هنا يمارس الاعتداء بامتياز عندما يحوِّل ذاته إلى سلطة قاهرة للآخر.‏

ولأن الموظف في إدارة الدولة صار سلطة قاهرة فهو قادرُ أن يتحول إلى سلطة خارقة للقانون لأسباب قرابية أو سياسية أو نفعية، فيضاف عاملُ جديد للفساد وللإفساد. وقانا اللـه من شرهما.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية