تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«الأميرة والرئيس»رواية حب جديدة في الأدب الفرنسي

ملحق ثقافي
6/10/2009
ترجمة مها محفوض محمد

هل هي حقيقة أم خيال؟

وحده الرئيس السابق جيسكار ديستان يملك مفتاح القصة المثيرة.‏‏‏

‏‏‏

كيف يقضي رؤساء الدول السابقون أوقات فراغهم! أمر يشغل بال الكثيرين، فالجنرال ديغول غالبا ما كان يتحدث الى الفرنسيين وعندما كان يخرج عن سياق السياسة كان ينظر الى النجوم.. أما فاليري جيسكار ديستان فيروي قصص حب، يريد من خلالها أن يظهر بأن الرئيس الذي بدأ حكمه لفرنسا عام 1974 ما زال مواكبا للحداثة والتجديد بذوق العصر.‏‏‏

وهي ليست المرة الأولى التي يكتب فيها جيسكار أدبا، ففي العام 1994 نشر رواية تحمل عنوان «العبور» وهي رواية مغمورة لا تميز فيها.‏‏‏

أما روايته الجديدة بعنوانها المثير «الأميرة والرئيس» فقد أثارت ضجة كبرى.‏‏‏

عنوان يعبر جيدا عن مضمون الكتاب.. المؤلف عضو في الأكاديمية الفرنسية يخرج قصة رئيس جمهورية خلال أعوام الثمانينات وأميرة بريطانية جميلة قوية تركز عليها وسائل الإعلام بشدة وعلى حياتها العائلية التعيسة .‏‏‏

قد يكون عالقا في ذاكرة الناس ما يشبه الحكاية، ففي رواية مدام دولافاييت أميرة كليف في آخر سنوات عهد هنري الثاني حيث المجد والعلاقات الغرامية كان الأمير المتألق عاشقا فقد ولع بحب ديان دوبواتيه زوجة الدوق فالنتينوا، الحب الذي دام عشرين عاما ولم يكن حبها له أقل وهجا.‏‏‏

في رواية جيسكار: الرئيس أيضا اسمه هنري وبدقة جاك هنري لامبيرتي، لكن من تشغل أحلامه ليست ديان كي لا يبدو الاسم أميريا، إنما باتريسيا وفيه ما يكفي من اللطافة.‏‏‏

باتريسيا هي أميرة كارديف «مدينة من بلاد الغال» ، ويركز الكاتب على موضوع الغرام كما كان لدى أبطال رواية مدام لافاييت حيث كانت العواطف جياشة.‏‏‏

يبدأ الكتاب بعبارة«الوفاء بالوعد» أو الوعد الملزم والذي يعني أن جيسكار يسدد دينا.‏‏‏

من ناحية قد يكون وعد الزمن، ومن جانب آخر قد يكون وعد الموت، لكن من صاحبة الوعد؟ وفي نهاية الرواية يقول:« لقد طلبت السماح بكتابة قصتك، وها أنا أعطيها لك لكن أعطني وعدا» وقد يكون المغزى هنا.‏‏‏

وفي الرواية يلتقي الرئيس لامبيرتي والأميرة باتريسيا في قصر باتمينغهام خلال حفل عشاء رسمي أثناء اختتام قمة الدول الصناعية السبع G7.ومن العبارات بعض الإشارات:‏‏‏

الرئيس أرمل، الأميرة شديدة الحزن وتقول: «قبل زواجي بحوالي عشرة أيام جاء خطيبي ليقول لي: إن لديه عشيقة وهو مصمم على متابعة علاقته بها بعد زواجنا» فتزداد مغامرتها التي لا هدف لها، وتزداد في نفس الوقت أعمالها الخيرية على الصعيد العالمي. ويعترف جيسكار فيقول: «قبلت يدها، وساءلتني عيناها الزرقاوان الواسعتان وهي تحني رأسها الى الأمام» ويشير الكاتب الى اهتمامه بالأدب أثناء فترة حكمه للبلاد، فهو كان معجبا بأعمال موباسان لذا لا نفاجأ أن نرى بطل القصة يستعين بالأدب ويأخذه دليلا لمغامراته العاطفية.‏‏‏

في القاطرة الرئاسية في رحلة العودة بعد الاحتفال بذكرى نزول القوات الفرنسية في منطقة النورماندي يتلمس يد الأميرة المتوضعة برصانة تحت الطاولة كما يقتضي البروتوكول في بريطانيا، ويبوح بأنه استوحى من مسرحية«الستارة القرمزية» التي تجمع بين ألبيرت والبارون، وفي حالات أخرى يبدو الرئيس مسترخيا يتسلى يلعب لعبة الهوى وهو يتخيل في القرن العشرين ملكة النمسا آن في بينغهام.‏‏‏

لامبيرتي وباتريسيا، فارس ملكي وتعقيدات دبلوماسية لا يمكن أن تتبدل، فعلى طول صفحات الرواية نجد التقيد بالشكليات البروتوكولية لكنه يفسح أحيانا المجال للألفة والحنان بين هنري وباتريسيا ، فالقصور الملكية والوطنية كثيرا ما كانت أعشاشا للغرام ومسرحا لقصص الحب، ومن تلك القصور قصر رامبوييه الذي يروي فيه المؤلف وبحيوية تفاصيل يوثق فيها الذكريات الطيبة للمكان، أما حكاية الصيد فقد احتلت مساحة رئيسة في الرواية.‏‏‏

والجميع يعلم أنه عندما كان جيسكار في سدة الرئاسة كان ينظم رحلات صيد، لذلك لا نندهش عندما يلجأ الكاتب الى استعارة فن حفلات الصيد لوصف العلاقة بين هنري وباتريسيا.‏‏‏

وإذا كان ذلك صحيحا فإن بعض الصيغ في الرواية تم اقتباسها من الكاتب مارك ليفي: حرارة المؤلف، اندفاعه، مهارته في الوصف للمكان، للزينة، للتبرج، للحديث بحيث تبدو الرواية تقارب الحقيقة حيث نحن، ثم يختار الابتعاد الى ما هو معقول، ثم يغوص في الخيال، فهو كثيرا ما يبتعد عن السرد العاطفي ويسعى الى سياسة الخيال.‏‏‏

وعلى هامش حبه لأميرة كارديف يتبين أن الرئيس لامبيرتي يعاد انتخابه ويغرق في أعمال ولايته الثانية حيث جدد له ونال ستا وخمسين بالمئة من الأصوات.‏‏‏

وأخيرا يحقق وحدة مع انكلترا الساطعة إذ يتخيل لامبيرتي تقاربا مؤسساتيا بين فرنسا وبريطانيا.. ياللحب كم هو أعمى ينسيه العالم ويمحي حرب المئة عام.. جان دارك ونابليون، ثم يكشف عن عزمه إدخال بلده في نطاق الألفة والود والحداثة.‏‏‏

هذه الشخصية الاوروبية المرموقة تمشي على خطا جان مونيه الذي نادى بوحدة فرنسية- بريطانية، يقال إن ديغول قبل بها عام 1940 إلا أن الهدنة فازت على عالم الخيال.‏‏‏

لامبيرتي يحلم أيضا باتحاد رمزي في أوقات أكثر هدوءا وما يشده في العمق هي فكرة الملكية التي تمثلها بريطانيا العظمى والتي تعبر عنها بلعبة الأحلاف.‏‏‏

وفي تفاصيل عديدة نشعر بأن بذخ الملوك مهم بالنسبة له، فهو يحلم لولديه فرانسوا وجاك بنهاية شبيهة بما حصل مع هنري، ولو أنه أصبح زوج أم ملك انكلترا فأي لقب كان سينال، المشكلة المتعلقة بالسلالة الملكية نتركها وبكل ود بين أيدي الأديب ستيفان بيرن. ومن المؤكد أن هناك أقلاما حاسدة تسخر من اسلوب جيسكار وجسارته، فالنقاد يبتسمون عند قراءة:«إن سيف الحب مطلق مسلط فوق رؤوسنا» ،وقد ينفجرون ضحكا على بعض العبارات، ومنهم من يقلق على صفاء اللغة ممن يتكلف الحرص عليها، يقول سيسيل سان لوران ومارغريت ميتشل:‏‏‏

يجب الاحتراس من تجاوز الحدود، والاحتفاظ بالأسلحة الخاصة لبروست وفولكنر.‏‏‏

لماذا لا نقبل أن يكون لجنس الرواية العاطفية مصطلحاته مثل: ساقان جميلتان نظرة متقدة، قبلات حارقة. وهذا شأن المؤلف وقرائه.‏‏‏

من هذا الجانب رواية «الأميرة والرئيس» تفي بالغرض إذ تقوم على سيناريو تام لا عيب فيه واسلوب الإغواء جميل فيها، ولم لا فهل تمنع هيئة التفتيش المالي الرئيس من الكتابة بلغة القلب، وهل يمنع المجلس الدستوري الاوروبي كتابة دستور اوروبي وكتابة رواية «الأميرة والرئيس» في وقت واحد.‏‏‏

يجب القبول بأن جيسكار ديستان يكتب دون قلق فهو خلي البال ولنقل عنه هاوي أدب مع لياقات السياسة والتحفظ الدبلوماسي،ولابد أن نفكر مندهشين بالمركز الذي يحتله في الحياة السياسية الدولية خاصة عندما نقرأ الكلمات المأخوذة عن الأميرة كارديف وهي تقول:« آمل أن تحبني» هذه الحرية من حقه سواء أعجبتنا قصص حب لامبيرتي وسيدته أم لم تعجبنا ولو أن الكاتبة فرانسواز جيرو لم تسبقه قبل خمسة وعشرين عاما بكتابة قصة في قصر الاليزيه لاستطاع ديستان أن يطلق على قصته عنوان قصة جيرو وهو «اللذة الممتعة».‏‏‏

ويبقى السؤال: الى أي مدى يمكن أن تذهب روايته في الخلط ما بين الحقيقة والخيال؟‏‏‏

وما دور الذاكرة والحلم في إنجازها؟ هل هي قصة خيالية تماما أم حلم كاتب؟ أم هي قصة حقيقية؟ وحده الكاتب لديه مفتاح اللغز، والذي هو اساس كل عمل أدبي.‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية