|
الفيغارو: آلان بونتوليلا - عالم لغوي لقد أصبحنا نقيس درجة شعبيتنا وحتى تقرير قيمتنا الشخصية بناء على إعلان المشتركين وبكبسة زر واحدة بأنهم أصدقاء لنا ومع ذلك لا يذرفون دمعة واحدة تخفف سخونة أوجاعنا ولا يحاولون مد يدهم عند وقوعنا في المحن والمصاعب ولن ترتسم حتى ابتسامة على شفاههم عندما نحصد نجاحاً ما.. هذه (الصداقة) وأساسها الاستسهال والمجاملة تكشف في النهاية عن الخوف من الآخر.. من نظراته... من كلماته.. من مقتضى الاعتراف به من خلال فرادته وتميزه العجيب. في كل الأحوال نسعى من خلال (الفيسبوك) إلى (صديق) يماثلنا ويشبهنا تماماً في أسلوب التفكير وطريقة العيش حتى بالإيمان بالعقيدة الواحدة لتكون المشاركة على نحو متواطئ ومصطنعة قوامها، حوار فضولي ومشوق وصارم.. علماً أن اللغة لم تصنع للتحدث إلى من يماثلوننا بل إلى أولئك الذين لم نتعرف إليهم بعد ولنقول لهم أشياء لا يعرفونها. الأمر الذي يهيئ لنا المجال لنبني بهدوء علاقة جديرة بالاحترام عندما لا تستند بالطبع إلى كمية المعلومات التي نكونها عنهم ولا إلى ما حصلوا هم من معلومات كافية عنا بل عندما يبقى الآخر محط رغبتنا في فهمه وتفهمه.. إنه تحد لذيذ يتطلب مع ذلك أكثر الكلمات والتراكيب اللغوية دقة وصرامة.. المثير في الأمر أن لغة (الفيسبوك) هشة آنية طالما أن القصص الثانوية والنكات والطرائف والتندر والتعليقات السخيفة سيدة الحوار بشكل عام. من خلال تبيان بعض استمارات هؤلاء المشاركين وجدنا أن الكلمات المستخدمة في الحوارات لا تتعدى 500 كلمة وهي محصلة ما يتقنه طفل في الخامسة من عمره - أجل- هذه التراسلات المبتذلة والسوقية في أحيان كثيرة هي وللمفارقة النتيجة المنطقية لتقليص المسافات ولكن مع زيادة حدة الاختلافات بينهم!!. ما عسانا أن نقول حقيقة حيال هذه المودة المتكلفة والمصطنعة ولكن المطمئنة، هذه المودة المبنية على ما نقوله بسرعة البرق ومانشعر به للتو وليس على ما نفكر ونتأمل فيه!!. هذه العلاقة السطحية هي إذاً عرض لحالاتهم النفسية دونما تحفظ وبسط لحالتهم المعنوية المتقلبة والفجائية ولتندراتهم وتهكماتهم اليومية دون رصانة- قواعد اللعبة واضحة إذاً عند هؤلاء المتعطشين لفتح كل مكنونات قلوبهم من غير احتشام وسدها بالتمام عند الانفتاح الحقيقي والمطلوب على الآخر.. ليجدوا أنفسهم في النهاية أمام أشخاص مغفلين لا يبغون سوى أمر واحد التلصص على كل ما يتعلق بحياتنا وبجوارنا مع تمسكهم العنيد بإخفاء أسرارهم عن أقرب المقربين إليهم. ولـ (الفيسبوك) تأثير مفسد أكثر على ذوي ضعاف النفوس والأكثر هشاشة العاجزين عن التحكم بأناهم، والذهاب إلى حد البوح بآرائهم بشكل فظ وقد يحدث أن تلوث النكتة الآنية وفي غير محلها النقاشات ولاسيما أن هذه الشبكة تسهل على الاقتناع بأنه لأمرحميد أن يقال كل شيء في كل وقت وكل زمن وأن الصداقات الحميمية المختلطة أكثر إثارة ومتعة. قد يقول قائل: إن (الفيسبوك) أتاح النجاح لبعض الثورات العربية وأنزل الطغاة من على كراسيهم.. هذا مؤكد ولكن طغاة آخرين أشد فتكاً سوف يخلفونهم ما يزيد الأمر سوءاً والمهم في الأمر ليس تغيير الحكام بقدر وجوب التفكير الجماعي وبناء الأسس والاقتراحات لخلق مجتمع أفضل . إذاً يمكننا القول: إن (الفيسبوك) دلل على أنه عاجز بطبيعته عن خلق ذكاء جماعي!. وفي الختام لابد من الاعتراف بأن شبكة التواصل الاجتماعي ليس لها من اسمها أي نصيب هي مجرد مكان لتحقيق مودة وقتية جموحة وليس حافزاً للسعي إلى الانفتاح على الآخر ومشاركته في بناء عالم متعدد مختلف ومثير في آن معاً. |
|