|
الصفحة الاولى والتحريف الذي أُجهض سريعا بالبينة والوثيقة القاطعة النصوص، وكان مرتقباً أن تحاول أميركا ومجموعتها الغربية تعويض الفشل في جنيف من اجل التقاط الانفاس ورفع معنويات المرتزقة من سياسيين وارهابيين يعملون ضد سورية، ولهذا تحركت على خطين، الاول باتجاه المنطقة حيث جاء جورج ماكين السناتور الاميركي ذو الموقع والاهمية الخاصة في الكونغرس في ما يتعلق بالجيوش والتسليح والعمليات العسكرية، والثاني كان باتجاه «مؤتمر باريس» الذي جمع دولاً تحت عنوان «أصدقاء سورية» في عبارة تغاير الحقيقة والمضمون كما بات مؤكداً منذ انطلاقة حلقاته الاولى في تركيا وتونس. وعلى الخط الأول روج ماكين لفكرة «الحاجة الملحة للملاذ الآمن لما اسماه «جيش سوري حر» (وعنى به المجموعات الارهابية التي تدمر وتقتل في سورية وتتصرف بشكل استحقت فيه تسمية «جيش الارهاب الحر في سورية») مناطق يريدها بشكل خاص في لبنان، (تراجع عن موقفه لفظيا بعد ما جوبه بالرد اللبناني من الفئة التي ترفض ايذاء سورية ولكنه أصر على الفكرة انطلاقاً من الاردن وتركيا ) وهنا كان للاصرار الاميركي وفي هذا الوقت بالذات على المناطق العازلة والملاذ الآمن خارج الحدود السورية دلالات هامة ليس أقلها: 1) الإقرار بأن الارهابيين في سورية باتوا في موقع صعب أمام ضربات قوات حفظ الامن والنظام، وخاصة بعد أن حققت هذه القوات الانجازات الهامة ميدانياً وأدت عملياتها الى ملاحقة وتدمير وتفكيك اكثر من شبكة ارهابية، او خلية اجرامية، واستعادت الى كنف الامن الشرعي والرسمي اكثر من منطقة بعد أن دخلتها واجهزت على أوكار المسلحين فيها.و يريد ماكين أن يُحضّر لهؤلاء ملجأً آمنا يلجؤون اليه لدى فرارهم من وجه الجهات السورية المختصة بالشأن الامني. 2) إصرار اميركا على متابعة العمل الارهابي ضد سورية وحاجتها الى قواعد تستطيع عبرها اعادة تنظيم القواعد الارهابية بعيداً عن قبضة القوات المسلحة السورية. 3) عدم ثقة أميركا رغم محاولاتها المتكررة وضغوطها المستمرة – عدم ثقتها بمستقبل تتمكن فيه من تنظيم تحالف عسكري دولي يعمل ضد سورية – بقرار من مجلس الامن أو من غير قرار – وبالتالي خلو الخطط الاميركية الراهنة من خطة تدخل عسكري اطلسي- دولي في سورية تحت أي عنوان. 4) اقتناع اميركا بأن مصالحها في سورية والمنطقة لن يؤمنها حل سلمي يؤكد فيه الشعب السوري ارادته واختياره الحر لحكامه الذين يمارسون السياسة بما يحفظ سورية واستقلالها ويعملون من اجل استعادة حقوقها، وبالتالي تبقى القوة بنظر اميركا هي السبيل الوحيد لفرض حكام يؤمنون تلك المصالح، لهذا لا بد من تعزيز العمل الارهابي وتوفير ظروف استمراره. أما على الاتجاه الثاني – «مؤتمر أعداء سورية في باريس» – فيمكن اختصار ما دار في الاجتماع وما تمخض عنه اللقاء بأمور ثلاثة: قناعة بالعجز عن العمل العسكري التقليدي، ومكابرة في الاستمرار في العدوان، وانزلاق خطر ضد روسيا والصين. وقد ترجمت هذه السلوكيات بمواقف اكدت ظاهراً عمق المأزق الذي وصلت اليه مجموعة العدوان بالقيادة الاميركية والافق المسدود الذي باتت تواجهه في اهدافها المعلنة، ما جعلها تطلق المواقف دون التحسب لقدراتها على التنفيذ حيث جاءت قرارات المؤتمر وتوصياته عبارات تفتقر الى قابلية التحقق: 1) ففي مجال الدعوة للعودة الى مجلس الأمن واستصدار قرارات إلزامية ضد سورية تحت الفصل السابع، فان المجتمعين كلهم يعلمون بأن هذا الامر بات مستحيلاً، وأن زمن وضع هذا البلد او ذاك بارادة اميركية منفردة تحت الفصل السابع وتحت اي عنوان كان، هو زمن ولى، وهنا نسأل طالما أن المعنيين بالشأن يعلمون هذا الامر، فلماذا يطلقون موقفا او يطلبون طلباً يعرفون مسبقاً انه لن يتم؟، وخاصة أنهم في بلد يعتمد من الامثلة ما يقول منها «أحمق من يسأل سؤالاً او يطلب طلبا يعرف سلفا أن نتيجته سلبية عليه» فهل المؤتمر جمع من حمقى؟ أم إن في الشأن هدفاً آخر؟ نحن نرى هنا ان التلويح بالفصل السابع هو نتاج الفكر المخادع الذي يمارسه الغرب من اجل رفع معنويات اولئك الذي باعوا انفسهم للشيطان مقابل وعد بسلطة يكون ثمنها تدمير بلدهم كما دمرت ليبيا وقبلها العراق بيد اميركية - اطلسية من اجل اسرائيل والغرب . 2) أما عن التأكيد «بأن الرئيس الأسد لن يكون جزءا من الحل» وأن لا حوار مع حكومته بحثا عن الحل، فاننا لم نجد في الامر جديدا يطلقه هؤلاء، ونحن ومن اللحظة الاولى كنا ندرك بأن اميركا لا تطيق حاكما لا يكون عبداً لها ولكن نعلم ايضا بأن الشعب السوري هو الذي يقرر لنفسه ولا يتقبل انتدابا عليه من اي جهة أتى وأن هذا الموقف يستفز دون شك هذا الشعب الذي يرفض الاملاء. وبالتالي يكون هذا الامر مردوداً على مطلقيه وبشكل سلبي يفاقم مأزقهم، وخاصة أن اميركا تعلم ان اكثرية الشعب السوري تتمسك بالرئيس الأسد. 3) و عن القرار بدعم المعارضة ثم حصر الدعم العسكري بوسائل الاتصال، فاننا نعلم بأنه نفاق أيضا لأن الدعم العسكري للجماعات الارهابية حاصل ومنذ الايام الاولى للعدوان وهو لم يوفر حتى الآن وسيلة ممكنة او نوعا من السلاح يمكن تهريبه الى سورية الا وقام بها وبالتالي لا نعتبر أن في الموقف شيئاَ جديداً يستحق الاهتمام به.. هذا على الصعيد المباشر، اما في المقلب الآخر فقد تسبب المؤتمر ونظرا للمواقف والعنجهية الاميركية والموجة التي رافقتها وبشكل استفزازي - تهديدي ضد روسيا والصين تسبب بخسائر اضافية لجبهة العدوان تتعدى الخيبة والاحباط الذين أصابا المستعجلين من المعارضات السورية الخارجية، إذ إنه رغم كونه لم يقدم لهذه التجمعات المتنافرة شيئا جديداً وحسيا يمكن ان تتمسك به للقول بأنها تتقدم فعلياً نحو اهدافها السلطوية، فقد تسبب بردة فعل روسية وصينية اكدت – وهي محقة - على عدم أخلاقية المؤتمر أصلاً وعلى عرقلته للحل السلمي الحقيقي للازمة وأنه تسبب في عرقلة الجهود المخلصة التي تبلورت في جنيف حيث كانت خيبة اميركية ايضاً. ما سيدفع الى تشدد اكثر من قبل هاتين الدولتين في رفضهما للرغبات والمساعي الاميركية لاحتواء سورية. و في استنتاج آخر نرى ان المؤتمر وعبر طروحاته العقيمة، وتكتيل جبهة الرفض للسياسة الاميركية الاقصائية والاستئثارية أكد لمن لم يقتنع بعد أن الغرب مخادع في مسألة البحث عن حل سلمي للازمة السورية يراعي المصلحة الحقيقية للشعب السوري وخياراته وقراره المستقل، وهو مع عجزه عن اللجوء الى الخيار العسكري المباشر فقد اعتمد في سورية «استراتيجية التدمير والدفع للتآكل الذاتي» الهادفة الى الانهاك والاستنزاف الذي يدمر القدرات السورية ويشغل الدولة عن الاهتمامات الرئيسية ويصرفها عن دورها في المنطقة،و لهذا اختار العمل بالوسائل البديلة المتمثلة بالارهاب والاجرام ومنع الحل السلمي التصالحي. وليست المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك بالمنظور الغربي طريقاً للحل او للبحث عن حل ينهي الازمة بما يوافق مصالح الشعب السوري، وهي ليست الا وسيلة لضخ المعنويات في شرايين العمل الارهابي وامداده بالوقود لاستمرار النار عبر توفير القدرات المالية والتسليحية والاعلامية له، ولهذا باتت تحدد مواعيد الاجتماعات القادمة كما تحدد مواعيد لقاءات المونديال لموعدين او اكثر يعقبان اللقاء القائم. و مع هذه الحقيقة تجد سورية نفسها وبعد ان اوصدت مع حلفائها باب التدخل العسكري الاجنبي، وأجهضت خديعة الحل الاميركي الاحتوائي عبر المبادرات الخبيثة الملغومة، تجد نفسها ومن أجل انقاذ الشعب والكيان والموقع الاستراتيجي ملزمة بمحاربة الارهاب على اراضيها دون أن يكون في ذلك خط أحمر أو قيد يذكر، إرهاب ينفذ وفقاً لخطة شيطانية وضعتها اميركا لتدمير سورية، كما دمرت افغانستان والعراق وليبيا، وعليه تكون العمليات الامنية والعسكرية الراهنة التي تلاحق الارهابيين، كما المناورات والتمارين العسكرية السورية التي تؤكد قدرات الجيش وتماسكه، سلوكيات ضرورية في معركة المواجهة الدفاعية التي تخوضها سورية لدفع العدوان. * أستاذ جامعي وباحث استراتيجي |
|