تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من البداوة إلى الحضارة

ملحق ثقافي
29/9/2009
سلام مراد

إن هذا الكتاب الذي بين يدينا ـ شمر جربا والانتقال من الترحال إلى الاستقرار (( دراسة حول حياة البدو وتراثهم))

هو دراسة ـ إثنوـ سوسيولوجيا للدكتور لوثار شتاين lohar- stein وهو أكاديمي ألماني متخصص في علم الأجناس ((الإثنوغرافيا)) وتركزت أبحاثه الميدانية على دراسة حياة البدو في المنطقة العربية وبخاصة في العراق, ومصر وغيرها, وهو مدير سابق لمتحف علم الأجناس في مدينة لايبزغ ـ ألمانيا.‏

جمع المؤلف مادته العلمية خلال إقامته الميدانية عند قبيلة شمر ـ جربا عام 1962, حيث عالج في كتابه طبيعة الحياة البدوية, والمعطيات الطبيعية والمناخية التي تحدد نمط هذه الحياة, بالإضافة إلى دراسة العادات والتقاليد والتركيب الإجتماعي والقضائي, وبالتالي ساهم هذا الكتاب في عرض جوانب هامة من حياة البدو العرب الاقتصادية والاجتماعية والعادات والتقاليد من خلال قبيلة بدوية يعيش أبناؤها في العراق وسورية بعد أن هاجرت من جنوب شبه الجزيرة العربية في نهاية القرن الثامن عشر، لأسباب منها الحروب والغزوات مع القبائل الأخرى، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالجفاف وبحث البدو الدائم عن مراع جديدة.‏

كانت هذه الأسباب وغيرها سبباً في هجرة جزء كبير من قبيلة شمر إلى العراق وسورية.‏

وجد الشمريون في الجزيرة ظروفاً حياتية أفضل بكثير من تلك التي كانت في موطنهم القديم نجد: فالأرض أغنى بالهطولات المطرية وبالتالي فيها مراع أفضل من شبه الجزيرة العربية. وفي الجزيرة أسواق تصدير أكثر وأقرب، يمكن للشمريين أن يبادلوا بها منتجاتهم.‏

كما حصلت قبيلة شمر في مكانها الجديد على عدة مزايا جديدة، منها الأتاوات التي كانت تدفعها العشائر المستقرة وشبه المستقرة في أطراف الجزيرة.‏

وبالتالي كان هذا الوضع الإيجابي سبباً في جلب أعداد جديدة من العشيرة من نجد من فينة إلى أخرى وهكذا ثبتوا قوتهم التي استطاعوا الحفاظ عليها حتى العصر الحاضر.‏

إذن دخل شمر ـ جربا ـ أثناء فرارهم من أعدائهم إلى العراق كحلفاء للحكومة التركية، وقدموا لها خدمات كبيرة في حربها، وفي تصفية صراعات داخلية كانت تتم بين حين وآخر، «لكنهم تسببوا بقلاقل مستمرة في الجو السلمي الذي كان يسود الجزيرة حتى ذلك الوقت» كما يقول أوبنهايم، كما نُقِلَ أيضاً شهادة لأحد المعاصرين آنذاك تظهر فيها نظرة الدوائر الحاكمة في العراق آنذاك إلى الشمريين وصفهم فيها عام 1828 بقوله: «إنهم عقاب من الله مثلهم مثل الطاعون والجراد».‏

إن العشائر الشمرية المهاجرة من نجد إلى العراق وسورية كانت:‏

ـ العبدة في منطقة جبل أجأ.‏

ـ الإسلام في منطقة جبل سلمى.‏

ـ السنجاري في وادي عقدة الواقع بين هذين الجبلين.‏

وحول نشأة تعبير «جربا» قال: الشيخ «مشعان بن فيصل بن فرحان» شيخ «شمر جربا» أن جد عشيرة شمر، وهو شخصية أسطورية اسمه محمد، كان يتخذ منطقة سكنه في الحجاز بالقرب من جبل أقرع، أي أجرب، ومن اسم هذا الجبل اتخذ اسمه الثاني الإضافي أي «جربا» وقد احتفظت عائلة الشيخ بهذا اللقب كاسم لها.‏

أهم ما يميز حياة شمر، مثلهم مثل بقية البدو، هو نمط حياتهم البدوية، أي التبديل المستمر لمكان إقامتهم الذي يعتبر حاجة ضرورية تمليها الظروف الطبيعية الخاصة للبادية، وقد سبق للرحالة «راوفولف» الذي أشار إلى ذلك، حيث كان أول من ذكر كلمة «بدو» في المراجع الصادرة باللغة الألمانية، وذلك منذ نهاية القرن السادس عشر.‏

فالبحث المستمر عن مراع وفيرة العشب يعتبر في المراجع المختصة السبب الرئيسي لحركة البدو مربي الماشية. بالإضافة إلى ذلك هناك عامل آخر لا يقل أهمية، ألا وهو توفر ماء الشرب للإنسان والحيوان، سواء على شكل تجمعات مائية سطحية أو على شكل آبار.‏

وفي مناطق الجزيرة تتغير أحوال الماء والمرعى، تغييراً كبيراً، وبالتالي هناك ترحال شبه دائم، فهناك فترتان للترحال عند شمر.‏

1ـ الترحال بمجموعات صغيرة تضم ما بين خمس إلى عشر خيم خلال موسم الأمطار [من كانون أول (ديسمبر) حتى نيسان (أبريل) أو أيار (مايو)].‏

2ـ بعد توقف هطول المطر ومع ارتفاع درجة حرارة الجو بدءاً من أيار (مايو)، تجف مصادر المياه السطحية المتجمعة فيضطر البدو إلى الإقامة حول آبار المياه الجوفية.‏

إن التحول إلى الاستقرار أوجد معه عادات جديدة، فقد اختفى عند شمر الفلاحين الفرعان الاقتصاديان المساعدان المتمثلان في الجمع والصيد نهائياً، نظراً لأن الفلاحين قلما يجدون فرصة للجمع أو الصيد نتيجة انشغالهم الدائم بالأعمال الزرعية. والأمر مختلف عند شبه المستقرين أو البدو من شمر، فهؤلاء يجمعون أثناء إقامتهم الربيعية في البادية.‏

بعض المنتجات الغذائية ذات المنشأ النباتي، وبخاصة الكمأة، وتجفيفها، ونظراً لأن أسراب الجراد لم تعد تظهر إلا بين فينة وأخرى بسبب إجراءات المكافحة التي يقوم بها «قسم المكافحة» الدولي، فإن الجراد لم يعد له الآن أهمية غذائية للبدو.‏

والصيد أيضاً اختفى نهائياً تقريباً عند شمر، لأن عدد الطرائد البرية نقص بشكل كبير جداً في مناطق شمال شبه الجزيرة العربية نتيجة عدم وجود إجراءات حماية للحيوانات البرية.‏

وإذا ما تم اصطياد بعض الغزلان بين فترة وأخرى بواسطة السيارة فإن ذلك لا يشكل أهمية اقتصادية في حياة شمر. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن صيد الحيوانات الصغيرة من قبل الصبيان الذي يمارس حتى الآن بصورة أو بأخرى.‏

وبينما كانت سابقاً كل النشاطات التجارية عند شمر من اختصاص الرجال، أصبحت مع ظهور تربية الدجاج لدى شمر الحضر وشمر البدو إمكانية ممارسة أعمال تجارية من قبل النساء. فعلى عاتق النساء يقع بيع البيض والدجاج الحي في الأسواق، فالرجل ينظر إلى بيع هذه الأشياء كشتيمة لا يتحملها.‏

ورغم تراجع الطلب على الجمال بشكل عام تراجعاً كبيراً، فقد توفرت لشمر البدو الذين لا يزالون يملكون قطعاناً لا بأس بها من الجمال منذ بضع سنوات إمكانية تسويق جديدة.‏

إذ يقوم التجار الكبار بشراء هذه الحيوانات لتصديرها كحيوانات ذبح، وبخاصة إلى مصر وسورية، حيث توجد هناك حاجة إلى لحم الجمل.‏

كما عمل الكثير من أبناء عشيرة شمر في شركات استخراج النفط في العراق، وتطوعت أعداد كبيرة من الشباب في الشرطة والجيش.‏

وبالتالي حصلت تغيرات كثيرة على نمط الحياة البدوية عند قبيلة شمر، فالاستقرار والعمل في الزراعة والجيش والصناعة غير في أسلوب الحياة والمعيشة.‏

كما أن توفر وسائل النقل الحديثة أدى بدوره إلى تراجع دور الحصان والجمل في حياة القبائل فالسيارات حلت محل الجمال والأحصنة.‏

كما أن شيوخ العشائر تحولوا إلى ملاكين للأراضي واستقروا في هذه الأراضي التي ملكتهم إياها الدولة. وهذا بدوره ساهم في تغير أسلوب ونمط الحياة عند قبائل شمر.‏

لقد قدم الباحث لوثر شتاين دراسة اثنوغرافيا أغنت الدراسات الاثنوغرافيا وخاصة حول حياة العرب البدو ومنهم بالأخص قبيلة شمر ـ جربا.‏

وبالتالي وثق لحياة هذه القبيلة التي تعد من القبائل العربية الأصلية، فقد فتح نافذة واسعة لمن يريد قراءة ودراسة حياة قبيلة شمر العربية.‏

الكتاب: شمر ـ جربا والانتقال من الترحال إلى الاستقرار‏

الكاتب: لوثر شتاين‏

ترجمة: كامل إسماعيل‏

الناشر: وزارة الثقافة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية