|
ملحق ثقافي وقد اكتمل الشكل الأول من الفلسفة الوضعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، على يدي ممثليها الكبار: كونت، سبنسر، مل. تميز كل فيلسوف وضعي، بخاصية ما، فقد جاءت وضعية هربرت سبنسر المولود في إنكلترا عام 1820، تحاول التوفيق بين الإيمان والمعرفة، بين العلم والدين؛ فالدين يقوم على التسليم لقوة سامية، والعلم يخلص إلى الاستنتاج، ويقول سبنسر: «وراء الأشياء كلها سر غامض، يستحيل الوقوف عليه»، وهذا السر، وإلى الأبد، سيبقى مجهولاً بالنسبة إلى الإنسان، مهما تطور العلم. وهكذا يصل سبنسر إلى نتيجة أنه من خلال التوفيق بين الدين والعلم، نصل إلى إلغاء كل خصام ونزاع بينهما. يتطرق سبنسر إلى عدد من المشاكل التي لم يصل العلم إلى نتيجة لها، تتعلق بطبيعة الجاذبية وأصل الوعي.. ولكنه يعلن أنها مستعصية على الحل، بسبب عجز العلم في الوصول إلى جوهر الأشياء، وإنما يكتفي بظواهرها. ومع أن المسائل المطروحة هي في صلب العملية الفلسفية، أو في صلب التفكير الخاص بالفلسفة وحدها، فإن سبنسر بإعلانه أنه لا حل لها، يكون قد أغلق الباب أمام التفكير الفلسفي، للوصول إلى نتائج تسعى الفلسفة وراءها عبر تاريخها. صاغ سبنسر قانون التطور الأساسي الخاص به من مبدأي ثبات القوة وثبات الحركة. وقانون التطور عنده يتميز بثلاث أمور: الانتقال من البسيط إلى المعقد، والانتقال من المتجانس إلى اللامتجانس، والانتقال من اللامتعين إلى المتعين. ولكن هذا القانون يستبعد ظهور أشياء جديدة نوعياً، ويصور التطور على أنه إعادة تجميع تدريجية للمادة المتوفرة. ويقول: «إن للتطور حداً لا يمكن تجاوزه أبداً». يشمل مؤلف سبنسر الأساسي (المبادئ الأولى) ميادين السيكولوجيا والبيولوجيا والسوسيولوجيا والأخلاق. ويشبه المجتمع بكائن حي يحيا ويتطور وفقاً لقوانين الطبيعة. وبناء على ذلك، تأتي أشكال الاستغلال والاستعباد في نظره كظواهر طبيعية. توفي سبنسر عام 1903 وبقيت فلسفته الوضعية، مثالاً قوياً على الفكر الذي حاول التوفيق بين الدين والعلم، كأساس للتطور والتقدم وبناء المجتمعات. |
|