تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نساء فينوس في معرض استعادي

ثقافة
الأربعاء 30-9-2009م
ترجمة: سراب الأسمر

اكتشفت المتاحف الفرنسية طريقة بارعة لتكسب دائماً فهي لاتقدم مجرد معارض استعادية لشخصية معروفة، لكنها تقدم أعمالاً لعدة فنانين كشكل من أشكال اللقاء والمقارنة.

ففي البداية تم عرض أعمال لبيكاسو وماتيس، ثم قبل عام عرضت أعمال بيكاسو وأصدقائه غريكو، فيلازكيه وديلا كروا ومانيه.‏

أما في هذه الفترة فيقدم متحف اللوفر أعمالاً لثلاثة فنانين من البندقية «تيتيان» ، تنتوريه وفيرونيز» الذين طالما ظهر تنافسهم في البندقية، والهدف من هذا المعرض إضفاء معنى التلاقي على أعمالهم، فعلاً استطاع متحف اللوفر الوصول إلى هذه النقطة، مؤكداً تلاحم عرض أعمال الفنانين وتمايزهم لهذا المعرض، عنوان فرعي مثل عناوين الروايات البوليسية كـ «منافسات في البندقية».‏

عرفت البندقية عام 1550 سوقاً رائعة للرسم، عُرف فيها المدعو تيزيانو فيسيلو بلقب تيتيان وكان عمره 62 عاماً، عام 1516 تحرر من حزب بيلليني وأصبح من حينها معلّماً، ولم يكن من الممكن الجدل حول ماوصل إليه من سلطة، إذ كان يتقرب منه الأباطرة والملوك والبابوات.‏

في نهاية أعوام 1540 ظهر جاكوبو روبوستي الملقب تنتوريتو وهوأصغر من تيتيان بعشرين عاماً، ابناً لعامل مكوى، بينما تيتيان ولد في وسط ارستقراطي.‏

وانضم تنتوريتو قليلاً إلى تيتيان ثم اتخذ مكاناً على حسابه.‏

وما أثار الاهتمام أن تنتوريتو قدم أعمالاً مستوحاة من حياة روما وفلورنس اليومية، أعمالاً تصور أخلاقيات جدلية، وحصل بذلك عام 1564 على عرض قيم حول لوحته (لاسكولادي سان ركو).‏

لكن لم يكن ذلك بالأمر الكافي ليجعل منه معلماً في البندقية، لأنه ظهر رجل ثالث على الساحة، ففي عام 1553 دخل المدينة شخص مجهول يدعى بلولو كالياري، قروي من قيرون ابن معماريا.‏

كان يطلق عليه فيرونيسي، كان أصغر من تنتوريه بعشر سنوات، هذامايمكن أن نطلق عليه صراع الأجيال.. وأصبحوا من الآن فصاعداً ثلاثة فنانين وشمل الصراع كل أنواع الرسم: ديني ودنيوي، أشخاص وميثولوجيا، قديسون ونساك وأمريالات بدروعهم.‏

وثمة صراع كان يدور حول القياسات الكبيرة للكنائس واللوحات الصغيرة للغرف..‏

عام 1570 اكتشف تيتيان رؤيته وبعد عشر سنوات اكتشف تنتوريه أيضاً رؤيته الخاصة به ولكن المختلفة، كانت المجازفة جادة، لأن رسمته داناييه كانت تمثل ميثولوجيا، حيث رسم نساء عاريات، والتي تعتبر من المواضيع المفضلة عند جامعي الرسوم، بينما فيرونيز زاد من رسوماته الرمزية،عاريات، مستديرات، بيض وشهوانيات.‏

وتضمنت الرسومات أعداداً كبيرة من فينوس، أي النساء الجميلات المستعدات لإبراز رشاقتهن مع انعكاس للإضاءة، أما الصالة التي حضنت هذه الرسومات فتبدو أكثر جاذبية.‏

وكانت رسمة سوزان لـ تنتوريه أبرع جمالاً.‏

فالمنافسة تشتد كلما نقلت ناظريك من لوحة إلى أخرى، كما تشمل لوحات المعرض رسومات عن النبلاء ومشاهد عن حياة السيد المسيح وكذلك مشاهد للحيوانات مثل الكلاب، لكن من منهم رسم الحيوان بحيوية أكبر تيتيان فيرونيز أم جاكوبو باسانو الذي جرب حظه على الحلبة واستبعد سريعاً؟‏

يبقى التساؤل الذي يسعى إليه المعرض الاستعادي من الرابح؟ ويأتي الجواب دون تردد: تيتيان إذ دفعته المواجهة لتغيير أسلوبه فبحث عن البساطة والحركة في لوحاته.‏

بينما ترك منافساه نفسيهما ينقادان نحو الوجدانية مثل تنتوريه ونحو يُسر البهلوان كما فيرونيز ويظهران في كل عمل صورة تفوقهما، بينما تيتيان استطاع أن يفهم بعمق أكبر كل موضوع من مواضيعه وعالجه بعدل أكبر، فقدّم القديس جيروم التائب العجوز كثير العضلات بتوبة وندامة ظاهرين بينما لوحته (تاركان) استطاع أن يقدم فيها صورة مغتصب حقيقي.‏

وانتهى الصراع بوفاة تيتيان عام 1576 عن عمر يناهز الثمانية والثمانين عاماً وانتهى معه كذلك الرسم البندقي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية